تحل ذكرى يوم الأسير الفلسطينيّ الذي يصادف الـ17 من نيسان/ أبريل من كل عام، مع تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيليّ على الشعب الفلسطينيّ، وتنفيذ المزيد من الجرائم والانتهاكات الممنهجة، حيث شهدت قضية الأسرى منذ العام المنصرم -الذي كان أكثر الأعوام دموية- تحولات خطيرة، وذلك في ضوء التّحولات التي فرضتها الانتخابات الإسرائيلية، ووصول اليمين الصهيونيّ الأكثر تطرفًا لدى الاحتلال، سدة الحكم، ومنهم ما يسمى بوزير الأمن القومي (بن غفير)، الذي سخر كل ما يملك من أدوات للتحريض على الأسرى، وعائلاتهم وكذلك على عائلات الشهداء، حيث وصل هذا التّحريض إلى مرحلة لم نشهدها من قبل، خاصّة في ظل الأدوات المستحدثة التي يحاول ترسيخها عبر مستويات أجهزة الاحتلال، ومنها إدارة سجون الاحتلال، والأهم تشريع، وتمرير قوانين عنصرية، وذلك إلى جانب جملة من السّياسات الثابتة والممنهجة التي ينفذها الاحتلال، بهدف فرض مزيد من الهيمنة والسّيطرة على الأرض، والتي تعكس مستوى نظام الفصل العنصري (أبرتهايد) القائم بصور متعددة، وتعكسه هذه السّياسات على مدار الساعة.
وتؤكد مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس) في تقرير صدر عنها اليوم مع اقتراب إحياء يوم الأسير الفلسطينيّ، (أنّ المتغير الوحيد القائم هو أنّ سلطات الاحتلال وبأجهزتها المختلفة، عملت على تطوير المزيد من أدوات التّنكيل، وتعمق انتهاكاتها عبر بنية العنف الهادفة إلى سلب الأسير الفلسطيني فاعليته وتقويض أي حالة نضالية متصاعدة ضده بهدف تقرير مصيره، وحماية حقوقه الإنسانية).
وتستعرض مؤسسات الأسرى لهذا العام أبرز المعطيات والمتغيرات التي شهدها واقع سياسة الاعتقال اليوميّة الثابتة، وكذلك واقع الأسرى في سجون الاحتلال، حيث يواصل الاحتلال اعتقال نحو (4900) أسير/ة، بينهم (31) أسيرة، و(160) طفلًا بينهم طفلة، تقل أعمارهم عن (18) عامًا، إضافة إلى أكثر من (1000) معتقل إداريّ بينهم (6) أطفال، وأسيرتان وهما (رغد الفني، وروضة أبو عجمية).
ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلون قبل توقيع اتفاقية أوسلو، (23) أسيراً، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ 1985، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك (11) أسيرًا من المحررين في صفقة (وفاء الأحرار) الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم وهم من قدامى الأسرى الذين اعتقلوا منذ ما قبل (أوسلو) وحرروا عام 2011 وأعيد اعتقالهم عام 2014، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، والذي دخل عامه الـ(43) في سجون الاحتلال، قضى منها (34) عاماً بشكل متواصل، ووصل عدد الأسرى الذين أمضوا أكثر من 20 عامًا قرابة الـ 400 أسير وهم ما يعرفوا (بعمداء الأسرى)، بالإضافة إلى العشرات من محرري صفقة (وفاء الأحرار) أعيد اعتقالهم عام 2014، وأمضوا أكثر من 20 عامًا على فترتين.
فيما بلغ عدد الأسرى الذين صدرت بحقّهم أحكامًا بالسّجن المؤبد (554) أسيراً، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته (67) مؤبداً، وعدد شهداء الحركة الأسيرة: بلغ (236) شهيداً، وذلك منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى اُستشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.
أما عدد الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم: (12) أسرى شهداء وهم: أنيس دولة الذي اُستشهد في سجن عسقلان عام 1980، وعزيز عويسات منذ عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح وثلاثتهم اُستشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر خلال عام 2020، والأسير سامي العمور الذي اُستشهد عام 2021، والأسير داود الزبيدي الذي اُستشهد العام 2022، ومحمد ماهر تركمان الذي ارتقى خلال عام 2022 في مستشفيات الاحتلال، إضافة إلى الأسير ناصر أبو حميد، الذي استشهد في كانون الأول 2022، والمعتقل وديع ابو رموز الذي ارتقى في مستشفيات الاحتلال في 28 يناير 2023.
وعدد الأسرى المرضى أكثر من (700) أسيرًا يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم (24) أسيرًا ومعتقلًا على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة، أصعب هذه الحالات اليوم حالة الأسير القائد وليد دقّة المعتقل منذ 37 عامًا، والأسير عاصف الرفاعي.
واقع عمليات الاعتقال منذ مطلع العام الجاري
فمنذ مطلع العام الجاري 2023، واصل الاحتلال في جرائمه، وسياساته الثابتة، والممنهجة بحقّ المعتقلين، والأسرى وعائلاتهم، وتشكّل جريمة الإعدام الميداني الجريمة الأبرز، والتي استعادتها قوات الاحتلال كنهج خلال أي عملية اعتقال تنفذها ليلًا بحقّ المواطنين، ومن مختلف الفئات، وسجلت المؤسسات المختصة منذ مطلع العام الجاري، نحو (2300) حالة اعتقال حتى تاريخ إعداد هذه الورقة، حيث تشكّل عمليات الاعتقال أبزر السّياسات الثّابتة، والممنهجة التي استهدفت كافة شرائح المجتمع الفلسطينيّ، وبلغ عدد الأطفال المعتقلين منذ مطلع العام الجاري أكثر من (350) غالبيتهم من القدس، فيما بلغ عدد النّساء والفتيات اللواتي تعرضن للاعتقال الـ(40).
تشكّل نسبة عمليات الاعتقال في القدس، الأعلى مقارنة مع بقية محافظات الضفة، حيث تجاوزت حالات الاعتقال خلال العام المنصرم أكثر من 3000 حالة من بين 7000 حالة اعتقال من كافة الأرض الفلسطينية، ولم تتوقف فعليًا وتيرة الاعتقالات العالية منذ مطلع العام الجاري حيث سُجلت أكثر من 1200 حالة اعتقال في القدس وبلداتها، وذلك إلى جانب عمليات الاعتقال، والحبس المنزلي، والإبعاد، وفرض الضرائب، والغرامات، والتعويضات، وهدم المنازل، والحجز على أموال عائلات أسرى داخل سجون الاحتلال، ومحررين، بهدف محاربة الوجود الفلسطيني، وتهجير السكان الأصليين من القدس.
ويواجه المعتقلون إلى جانب عائلاتهم جرائم ممنهجة والتي يمكن وصفها بأنها جرائم ممتدة ولا تبدأ فعليًا مع عملية الاعتقال فقط بل إن هذه الجرائم تمارس بشكل لحظي بحقّ المواطن الفلسطينيّ، وتشكل سياسة العقاب الجماعي، والاعتداء على المعتقلين وعائلاتهم، والملاحقة المتكررة، والتهديدات، واستخدام العائلة كأداة للضغط على المعتقل، وجريمة التّعذيب في مراكز التّحقيق، والحرمان من أبسط حقوقهم أبرز هذه الانتهاكات، إضافة إلى أوامر منع من لقاء المحامي، واحتجازهم لفترات طويلة في مراكز التّحقيق حتى بعد انتهاء التّحقيق، عدا عن تعرض الجرحى للاستجواب، والتّحقيق داخل المستشفيات، وممارسة الإهمال الطبي بحقّهم.
كما وشكّلت جريمة الاعتقال الإداري التعسفيّ أبرز الجرائم التي صعّدت سلطات الاحتلال من تنفيذها والتي تهدف بشكل أساس إلى تقويض أي نضالية فاعلة وراهنة، فقد تجاوز أعداد المعتقلين الأكثر من ألف وهذه النسبة هي الأعلى منذ عام 2003، والتي طالت الأطفال، والنّساء، وكبار السّن، والمرضى، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين بين صفوف الأطفال (6) أطفال، وأسيرتان وهما (رغد الفني، وروضة أبو عجمية)، مع الإشارة إلى أنّ عدد أوامر الاعتقال التي صدرت بذريعة وجود (ملف سرّي) بلغت منذ مطلع العام الجاري أكثر من (860) أمر، مع التأكيد على أن غالبية المعتقلين الإداريين هم أسرى سابقون أمضوا سنوات في سجون الاحتلال.
تشريعات وقوانين عنصرية
صعّدت ممنظومة الاحتلال بكافة مستوياتها لاستهداف الأسرى، عبر عدة أدوات، ومن ضمنها سن قوانين وتشريعات عنصرية تمس مصير الأسرى وعائلاتهم، وكان أبرزها مشروع قانون إعدام الأسرى الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا لم يكن هذا التشريع العنصري الأول، بل شرّع الاحتلال على مدار سنوات جملة من القوانين العنصرية الخطيرة، واستهدفت الأسرى، ولاحقًا عملت على تعزيز هذه القوانين، بقوانين عنصرية خطيرة، جميعها متشابكة، ويشكّل كل قانون حلقة من مسار طويل من هذه التشريعات، وشكّل قانون سحب الجنسية والإقامة من المناضلين الفلسطينيين الذين مارسوا حقهم في النضال من أجل تقرير المصير، أبرز هذه القوانين العنصرية التي جاءت بها حكومة الاحتلال الأكثر فاشية، وفي سياق قراءتنا لكل المعطيات الراهنّة، فإنه ومن الواضح أنّ الاحتلال ماضٍ في اختراع سلسلة من التشريعات التي تمس بشكل مباشر المقدسيين، والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك الأسرى والمحررين منهم، وشهدنا على مدار الشهور الماضية استهداف عائلات أسرى في الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك ما جرى مع الأسيرين السابقين كريم يونس، وماهر يونس، والأسير المريض بالسرطان وليد دقة، وما واجهته عائلته من استهداف وملاحقة.
واقع الأسرى داخل سجون الاحتلال وما يواجهونه من جرائم وانتهاكات منظمة
أما على صعيد واقع الأسرى داخل سجون الاحتلال، استمرت أجهزة الاحتلال وعلى رأسها إدارة سجون الاحتلال بتنفيذ سياساتها الثابتة، والممنهجة بحقّ الأسرى والأسيرات ومنهم الأسرى الأطفال، وأبرزها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، التي تشكّل اليوم أبرز هذه الجرائم، وكان آخر ضحايا الإهمال الطبي، الشهيد أحمد ابو علي من الخليل، الذي استشهد في شهر شباط/ فبراير من العام الجاريّ.
ويبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 700 أسير، من بينهم 24 أسيرًا يواجهون الإصابة بالسرطان والأورام بدرجات مختلفة، وأبرزها اليوم حالة الأسير وليد دقّة المعتقل منذ 37 عامًا، والمصاب بمرض سرطان نادر يصيب نخاع العظم يعرف بـ(التليف النقوي)، ونتيجة لجريمة الإهمال الطبيّ، تعرض دقّة مؤخرًا لعدة انتكاسات صحية متتالية، ونقل بعد مطالبات من الأسرى إلى مستشفى (برزيلاي) بوضع صحي خطير حتّى اليوم، بالإضافة إلى حالة الأسير عاصف الرفاعي الذي وصل فيه السّرطان إلى مرحلة متقدمة.
ويُضاف إلى هذه السّياسات، سياسة العزل الإنفراديّ، والتي تصاعدت بشكل ملحوظ منذ 2021 حتّى اليوم، وتحديدًا بعد عملية (نفق الحرية) البطولية، ويبلغ عدد الأسرى الذين يواجهون العزل الإنفرادي اليوم نحو (35) من بينهم أسرى مرضى يعانون من أمراض نفسية، وصحية مزمنة، من بينهم الأسير أحمد مناصرة الذي يواصل الاحتلال اعتقاله، وعزله رغم ما وصل إليه من وضع صحي ونفسي خطير، ونذكر هنا كذلك أقدم الأسرى المعزولين في سجون الاحتلال، الأسير محمد خليل الذي يواجه العزل الإنفرادي منذ أكثر من 15 عامًا.
يضاف إلى هذه السياسات، عمليات الاقتحام لأقسام الأسرى، والتنكيل بهم، فمنذ أواخر العام المنصرم ومع مطلع العام الجاري، سُجلت العديد من الاقتحامات لأقسام الأسرى في عدة سجون، وتصاعدت فعليًا بالمقارنة مع الأشهر التي سبقت شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وبلغت حدتها في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، حيث سُجلت عدة اقتحامات في يوم واحد، وفرضت عقوبات جماعية على الأسرى، بما فيها عملية عزل جماعية.
كما واصلت سلطات الاحتلال وضع العراقيل أمام زيارات عائلات الأسرى وحرمان الآلاف من افراد عائلاتهم، أو حرمان الأسرى (كعقوبة) تفرضها بحقهم، او بسبب انتمائهم الحزبي كما يحدث مع عشرات الاسرى من غزة، حيث تتعمد إدارة السّجون بتحويل أي حقّ إلى أداة لفرض مزيد من إجراءات التّنكيل بحقّ الأسرى، ولم تتوقف يومًا عن (ابتكار) أدوات لعرقلة زيارات الأسرى، والتّنكيل بذوي الأسرى.
ونفّذ الأسرى على مدار شهر شباط/ فبراير وحتى الـ22 من آذار/ مارس، من العام الجاري، سلسلة خطوات احتجاجية، تمثلت بخطوات عصيان يومية طالت كافة مناحي الحياة الاعتقالية، رفضًا لجملة الإجراءات التي أعلن الوزير المتطرف (بن غفير) بحقّ الأسرى، والتي استهدفت تفاصيل عديدة منها كمية المياه المسموح للأسرى استخدامها، وساعات الاستحمام، والخبز، وأخذت خطوات الأسرى، خصوصيتها مع الواقع السّياسي الذي تحاول فرضه حكومة الاحتلال الأكثر تطرفًا، باستهداف كل ما تبقى للأسرى.
وفعليا بعد مواجهة استمرت لمدة (37 يومًا)، تمكّن الأسرى باتفاق مع إدارة السّجون من دفعها إلى التراجع عن إجراءاتها التي أعلنت عنها، إلا أنّ هذا لا يعني أنها توقفت عن العديد من السّياسات التّنكلية بحقّ الأسرى، والتي أصبحت جزءًا من منظومة السّجون الإسرائيلية.
تؤكد مؤسسات الأسرى مجددًا وفي ظل العدوان المستمر على شعبنا الفلسطينيّ، أن على المؤسسات الحقوقية الدولية أن تحمي جوهر عملها الإنساني والحقوقي بالانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال على مدار عقود طويلة، نفّذ خلالها جرائم لا تُعد ولا تحصى، ومع ذلك فإن المواقف الدولية بقيت خجولة، واليوم وتحديدًا في ظل المتغيرات الدولية التي نشهدها، تكشف مجددًا سياسة الكيل بمكيالين، وعليه فإننا نطالب مجددًا بحماية دولية في ظل ما نشهده من عدوان وقتل العشرات من الفلسطينيين واعتقال المئات، واتخاذ قرارات رادعة لجرائم الاحتلال.