على مدار عقود مضت، تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة التعذيب بحق الأسرى والمعتقلين في سجونها بكافة الأشكال والسبل بدءًا من لحظات الاعتقال الأولى بشكل ثابت وممنهج، حيث ارتقى على مدار كل تلك السنوات المئات من الأسرى في السجون الإسرائيلية نتيجةً لاستخدام التعذيب بأشكاله المختلفة دون أدنى محاسبة أو مساءلة من قبل الجهات الدولية المعنية، مؤخرًا ومع اندلاع العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وحرب الإبادة الجماعية التي لم يسلم منها حتى الأسرى داخل السجون، ارتفعت وتيرة التعذيب بأقسى وأبشع الأشكال نتيجة لإفلات دولة الاحتلال من المساءلة على مدار العقود الماضية، وتحديدًا من معتقلي قطاع غزة الذين تم اعتقالهم من المدارس ومراكز الإيواء والمشافي بعد التوغل البري لجيش الاحتلال في القطاع.  

 

ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، اراتقى نحو ٥٤ شهيدا من كافة المحافظات الفلسطينية في سجون الاحتلال نتيجة التعذيب وظروف الاعتقال اللاإنسانية والتعذيب والاعتداء الممنهج عليهم، منهم ٣٦ أسيرًا من قطاع غزة و١٨ أسير شهيد في السجون التابعة لإدارة مصلحة السجون، علمًا أن الاحتلال لغاية الآن لا زال يخفي معلومات الشهداء الأسرى، حيث كشفت تقارير عن ارتقاء عشرات الشهداء داخل المعسكرات والسجون دون تمكن العائلات من معرفة مصير أبنائها، ودون كشف الاحتلال عن أسماء الشهداء الذين ارتقوا داخل هذه المعسكرات،، وهذا ما يدلل علِى حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الأسرى داخل السجون، إذ أصبح الواقع داخل السجون والمعسكرات أكثر قسوة نتيجة لسياسات سلطات الاحتلال الانتقامية بحق الأسرى والمعتقلين، يذكر أن أعداد المعتقلين من قطاع غزة ومعلوماتهم لا زالت مجهولة حتى الآن، حيث يقدر عددهم بالآلاف.  

 

ويعيش أسرى قطاع غزة تحديدًا ظروفًا في غاية القساوة والصعوبة، إذ تحتجزهم سلطات الاحتلال في معسكرات تابعة للجيش وغير مؤهلة لاستيعاب هذا العدد الغير مسبوق من الأسرى، عرف منها معسكر "سديه تيمان" في بئر السبع ومعسكر "عناتوت" في القدس، ويستخدم الاحتلال بحق الأسرى أشكالًا مختلفة من التعذيب ، منها تعريتهم بشكل متكرر ومقصود في محاولة لإذلالهم، وإبقاؤهم مكبلي الأيدي والأعين طوال الوقت، واستخدام أساليب الشبح المختلفة بحقهم، وحرمانهم من العلاج، وتصويرهم بشكل مهين، وحرمانهم من النوم وإطلاق الكلاب البوليسية عليهم لتنهش لحمهم، عدى عن الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأسرى، وتقدم لهم وجبات طعام بنوعيات رديئة للغاية وبكميات قليلة جدًا، ويحرم المعتقلين من أدنى حقوقهم الإنسانية كتوفير الملابس، ويمنعون من الاستحمام لفترات طويلة جدًا، ويتعرضون لدرجات الحرارة العالية، ويتم سحب الفراشات منهم في ساعات الفجر الأولى ويتم إرجاعها لهم بعد منتصف الليل.

 

يروي الأسير (ح، ن) من قطاع غزة للمحامي الذي تمكن من زيارته: "تم اعتقالي من مدرسة في بيت لاهيا، حينها قام الجنود بتكبيلي للخلف بمرابط بلاستيكية وعصبوا عيوني ثم اقتادوني بالضرب والقوة لمكان يدعى بال (البركس)، وهناك بدأت عملية التعذيب الشديد، على الرأس وكافة أنحاء الجسد دون أي رحمة، أجبروني على الجلوس على ركبتي طوال الوقت على أرض من الحصى مما  كان يزيد من الألم، كنت أتعرض للشتم والإهانة طوال الوقت، نقلوني لمركز تحقيق (بيتح تيكفا) ومكثت هناك نحو ١٣٠ يومًا تعرضت فيها للشبح والضرب العنيف والتعذيب، لقد كان أصعب أيام عمري"، وفي ذات السياق، لم يسلم الأطفال من القطاع من التعذيب الوحشي الممارس من قبل جنود الاحتلال، إذ يتحدث المعتقل الطفل (ع. ع) للمحامي عن ظروف اعتقاله ويقول:  "عند اعتقالي قام الجنود بخلع ملابسي وأبقوني باللباس الداخلي فقط، ثم انهالوا علي ضربًا بشكل عنيف للغاية، قيدوني للخلف وقاموا بإغماء عيوني ثم بدأوا بالتحقيق الميداني معي، أجبروني على الركوع طوال الليل قبل نقلي صباحًا إلى أحد البيوت المهدمة وبدأوا بضربي مرة أخرى، وقام الجنود بوضعي في ثلاجة باردة، لم يكتفي الجنود بذلك بل قاموا بجلدي بالأسلاك على ظهري، مرر الجنود سكين على جسدي وشعرت بالدماء تسيل مني، وعند وصولي إلى سجن عوفر كانت قدمي تنزف وبقيت ثلاثة أيام بدون علاج".

 

 

إن إفلات دولة الاحتلال من المساءلة والمحاسبة تعتبر أحد أبرز الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في استمرار ومنهجة ممارسة وتعميق جريمة التعذيب في السجون، حيث وصل الأمر حدّ ارتقاء عشرات الشهداء في السجون دون الإعلان عن أسمائهم أو ملابسات استشهادهم، ونتيجة لتمتع سلطات الاحتلال بثقافية الإفلات من العقاب، تضاعف ممارستها لجريمة التعذيب وسوء المعاملة وذلك في إطار الانتقام من المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين دون الاكتراث للتبعات القانونية على المستوى الدولي. كما وأن استمرار افلات دولة الاحتلال عن جرائم التعذيب التي ترتكبها دون محاسبة من قبل المجتمع الدولي يجعله متواطئاً في هذه الجريمة، ويتعين على المجتمع الدولي الضغط على دولة الاحتلال لوقف هذه الجرائم بشكل فوري، وتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في محاسبة دولة الاحتلال عن هذه الجرائم الفظيعة التي لا تسقط مع مرور الزمن.  

أوقفوا جريمة التعذيب