الاعتقال السياسي...سيفٌ مسلط على رقاب النشطاء في ظل جائحة كورونا

 

الاعتقال السياسي...سيفٌ مسلط على رقاب النشطاء في ظل جائحة كورونا

تتابع مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ملاحقة النشطاء والطلبة والصحفيين على خلفية ممارسة حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي. وعلى الرغم من الظرف الاستثنائي الذي يمر به العالم نتيجة لتفشي فايروس كورونا، إلا أن حملات الاعتقالات والاستدعاءات ما زالت مستمرة وبوتيرة أعلى، في محاولة لفرض التضييق وتقييد الحقوق الأساسية للمواطن الفلسطيني.

إن الاعتقال السياسي الذي تنتهجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ انشائها لم يتوقف، حتى بعد انضمام فلسطين للاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تكفل حق الأشخاص بحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتشكيل والانضمام للجمعيات. حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية منذ بداية العام 2014[1] الآلاف من المواطنين من مختلف الفئات والمناطق على خلفيات مختلفة، تعرض العديد منهم للتعذيب وسوء المعاملة بما ينتهك ما نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت إليها فلسطين في العام 2014. كما وجرى ملاحقة واستدعاء العديد من الأشخاص للتحقيق، واحتجازهم لساعات دون توجيه أي تهم بحقهم.

منذ صدور مرسوم اعلان حالة الطوارئ بداية شهر آذار 2020 وحتى نهاية شهر تموز، اعتقلت الأجهزة الأمنية ما يقارب 140 شخصاً. وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمنع تفشي الفايروس كتقييد الحركة والتنقل، إلا أن ذلك لم يكن سبباً لوقف الاعتقالات وإنما لفرض مزيد من التقييد على حقوق المواطنين الأساسية. حيث تستغل السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ المفروضة بشكلٍ غير قانوني لارتكاب مزيد من الانتهاكات بحق المواطنين الفلسطينيين، في مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني والقوانين الداخلية والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

رصدت مؤسسة الضمير ووثقت حملة الاعتقالات والاستدعاءات التي قامت بها الأجهزة الأمنية (الأمن الوقائي، المخابرات، المباحث) خلال شهري حزيران وتموز، حيث جرى اعتقال ما يقارب 80 مواطناً على خلفية العمل الطلابي والصحفي وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي. بالإضافة إلى استدعاء العشرات من مناطق متفرقة، ومداهمة المنازل وتفتيشها وتكسير محتوياتها. وذلك في ارتفاع ملحوظ على الاعتقالات التي تمارسها وفي زيادة للانتهاكات التي ترتكبها بحق المواطنين الفلسطينيين.

التجمع السلمي..."خرقٌ لإجراءات الطوارئ"

برز في هذا الإطار حملة الاعتقالات التي شنتها الأجهزة الأمنية (منتصف-أواخر شهر تموز) بحق نشطاء وحراكيين قاموا بالدعوة لمسيرات ضد الفساد. حيث اعتقلت 19 شخصاً من أماكن متفرقة أغلبها على مقربة من المكان المقرر لعقد المسيرة ضد الفساد يوم 19/7/2020.

وفي اليوم التالي لاعتقالهم، جرى عرض الموقوفين على النيابة العامة التي قامت بتمديد توقيفهم لمدة 48 ساعة بادعاء التجمهر غير المشروع ومخالفة أنظمة وتعليمات الطوارئ. من ثم مددت محكمة الصلح توقيفهم لمدة 15 يوماً. واحتجاجاً على توقيفهم، أعلن عدد من المعتقلين الإضراب عن الطعام.

أفاد بعض المعتقلين لمؤسسة الضمير أن ظروف احتجازهم كانت صعبة، حيث وضعوا جميعاً في غرفة صغيرة لا تتسع للعدد الكبير من المحتجزين، ولا يوجد بها تهوية. كما لم يستطع المعتقلين النوم داخل النظارة بسبب الاكتظاظ، مما اضطرهم للنوم بالتناوب. تحتوي الغرفة أيضاً على حمام له رائحة كريهة، وفرشات نتنة مصنوعة من الاسفنج.

إن احتجاز عدد كبير من المعتقلين في غرفة صغيرة لا يوجد بها تهوية في ظل انتشار وتفشي فايروس كورونا يُدلل على أن الأجهزة الأمنية تضرب بعرض الحائط كافة التحذيرات والتدابير اللازمة للوقاية من هذا الفايروس، وتعتقل المواطنين لادعاء مخالفتهم أنظمة وتعليمات الطوارئ ولا تلتزم هي بالمقابل بتوفير أدوات الوقاية والحماية، مما يناقض بشكل واضح الهدف المعلن لإعلان حالة الطوارئ.

إن اعتقال النشطاء بادعاء التجمهر غير المشروع يخالف ما نص عليه قانون الاجتماعات العامة الفلسطيني، الذي ينص على حق المواطنين في عقد الاجتماعات العامة والمسيرات بحرية دون المساس بهذا الحق أو وضع قيود عليه إلا وفقاً للضوابط المنصوص عليها في القانون. وإحدى هذه الضوابط تستدعي توجيه إشعار كتابي للمحافظ قبل 48 ساعة من موعد المسيرة شرط أن يكون عدد المدعوين يزيد عن 50 شخصاً. وفي حالة النشطاء الذي اعتقلوا على خلفية مسيرة ضد الفساد، فإن الاعتقال تم قبل انعقاد المسيرة المقررة، وبعضهم جرى اعتقالهم أثناء التوجه للمسيرة وقبل وصولهم، مما يعني أن الاعتقال جرى دون وجه حق وقبل التحقق من عدد المشاركين في المسيرة بما بخالف بشكلٍ واضح روح ونص القانون الذي كفل الحق في التجمع السلمي.

كما جاء تعريف التجمهر غير المشروع -الذي وجه كتهمة للمعتقلين-في قانون العقوبات الأردني الساري في الضفة الغربية، وجرى تعريفه على أنه: "إذا تجمهر سبعة أشخاص فأكثر بقصد ارتكاب جرم، أو كانوا مجتمعين بقصد تحقيق غاية مشتركة فيما بينهم، وتصرفوا تصرفاً من شأنه أن يحمل من في ذلك الجوار على أن يتوقعوا-ضمن دائرة المعقول-أنهم سيخلون بالأمن العام أو أنهم بتجمهرهم هذا سيستفزون دون ضرورة أو سبب معقول أشخاصاً آخرين للإخلال بالأمن العام، اعتُبر تجمهرهم هذا تجمهراً غير مشروع".[2] وفي حالة المعتقلين الذين جرى اعتقالهم على خلفية المسيرة ضد الفساد، فإن دعوتهم لإقامة المسيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره جريمة، حيث أنه جزء من ممارستهم الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، وتوجيه تهم لهم بالتجمهر غير المشروع ينتهك بشكل صارخ الاتفاقيات والمواثيق الدولية والقانون الداخلي الذي يكفل هذا الحق.

اعتقال الصحفيين والطلبة...انتهاكٌ لحرية الرأي والتعبير والانضمام للجمعيات

لا تخلو حملات الاعتقال التي تمارسها الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحق المواطنين الفلسطينيين من اعتقال الصحفيين والطلبة الجامعيين على خلفية حرية الرأي والتعبير والعمل النقابي والطلابي والعمل الصحفي، حيث اعتقلت خلال شهري حزيران وتموز ما يقارب 7 طلاب وصحفيين اثنين. وفي إطار فرض مزيداً من التقييد على حقوق المواطنين الأساسية وحرياتهم العامة، يتم زجّ الصحفيين والطلبة في مراكز التوقيف والاحتجاز ومقرات الأجهزة الأمنية لأيام بحججٍ مختلفة، ويجري التحقيق معهم على خلفية عملهم الصحفي أو الطلابي، وعلى منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

أفاد المعتقل (خ. ق) وهو طالب في جامعة بيرزيت، أنه اعتُقل من قبل جهاز المخابرات العامة بعد أن جرى استدعاؤه. تعرض خلال فترة الاعتقال للصراخ والشتم. وقبع في زنزانة قذرة رائحتها كريهة، كما قُدّم له طعام رديء وينبع منه روائح كريهة. تعرض أثناء فترة التحقيق للشبح فيما يُعرف "بالخزانة" وهي زنزانة صغيرة جداً لا يمكن للمعتقل الجلوس فيها أو التحرك، حيث قبع فيها لما يقارب 8 ساعات. كما نُقل المعتقل لزنزانة يوجد بها كفوف وكمامات مستخدمة وممزقة. تعرض أيضاً للشبح عن طريق تقييد يديه وربطها بحبل يتم تعليقه في نافذة عالية، بحيث أصبح يقف على رؤوس أصابعه. وأثناء هذه الوضعية تعرض للضرب "ببربيج" على أقدامه من الأسفل، بالإضافة إلى ضربه على ظهره. بعد أن شُبح بهذه الوضعية لمرتين متتاليتين، أصبح المعتقل غير قادراً على الوقوف أو الحركة، وعانى من أوجاع شديدة في الكتف. بعد انتهاء التحقيق، قام ضباط المخابرات بتهديد المعتقل بإعادة اعتقاله في حال تحدّث عما تعرض له أثناء فترة الاعتقال التي استمرت لما يقارب الأسبوعين.

أما المعتقل (س. س) وهو صحفي، أفاد أنه اعتُقل من الشارع العام من قبل دورية تابعة لجهاز الأمن الوقائي، ونُقل لمقر الجهاز وتم مصادرة هاتفه لحظة الاعتقال، بالإضافة إلى مداهمة منزله ومصادرة أجهزة الكترونية وهواتف. جرى التحقيق مع المعتقل حول منشورات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واستمر التحقيق معه لما يقارب 25 يوماً حول هذه المنشورات على الرغم من أنه أنكر منذ البداية أي علاقة له بهذه الصفحات.

إن احتجاز المعتقل لهذه المدّة وفي ظل الحالة الصحية العامة مع انتشار فايروس كورونا، وحجز المعتقلين بشكل جماعي في غرفة صغيرة يُظهر التناقض في الممارسات الحكومية والإجراءات المتخذة لمنع انتشار فايروس كورونا، فكيف يتم اعتقال مجموعة من النشطاء بحجة خرق تعليمات الطوارئ، وفي ذات الوقت زجهم مكدّسين في غرف لا تصلح للعيش الآدمي وتشكّل بيئة خصبة لانتشار وتفشي المرض بين المعتقلين؟

 



[1] أي منذ انضمام فلسطين لثمانية اتفاقيات دولية تتعلق بحقوق الإنسان بتاريخ 1/4/2014.

[2] المادة (164) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 الساري المفعول في الضفة الغربية.