أقر الكنيست الاسرائيلي هذا الأسبوع وبخطوات متسارعة، بالقراءتين التمهيدية والاولى، قانون تسوية الأراضي، الذي يعني تطبيقه الفوري إضفاء الشرعية على قرابة اربعة آلاف وحدة استيطانية مقامة على 55 بؤرة منتشرة في أنحاء مختلفة من المنطقة المصنفة (ج)، الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة والتي تشكل ما نسبته 60% من اجمالي مساحة الضفة الغربية.تجاهر أطراف الائتلاف الاسرائيلي الحاكم باعتبار عملية شرعنة النهب هذه الانقلاب السياسي الثاني في اسرائيل، بعد الانقلاب الأول الذي حصل عام 1977، وجاء بأول ائتلاف استيطاني يميني الى الحكم في دولة الاحتلال.واعتبر نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، ووزير المعارف في حكومة نتنياهو، بأن القانون "يعتبر الخطوة الأولى في الانتقال من حل الدولتين الى خيار ضم الضفة الغربية وفرض السيادة على الأرض دون السكان"، وهو ما يعني تعميق وتقنين صيغة الأبرتهايد التي يجري ترسيخها بفرض منظومات قانونية مختلفة على مجموعتين سكانيتين تعيشان في نفس المنطقة، ومنح امتيازات للمجموعة التي تشكل إقامتها في هذه الأرض جريمة مستمرة بنظر القانون الدولي الانساني ووفق قرارات عديدة لمنظمة الأمم المتحدة ووفق الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن جدار العزل عام 2004.
منذ العام 1967، دأبت قوات الاحتلال على تنفيذ سياسة مصادرة والاستلاء على الارض الفلسطينية عبر ما يعرف بالأوامر العسكرية. ورغم قيام قوات الاحتلال بفرض سيطرتها فعلياً على ممتلكات فلسطينية خاصة عبر منع استعمالها بطرق شتى، الا انها لم تتمكن من شرعنة الاستيلاء عليها، ومصادرة املاك فلسطينية خاصة وتخصيصها للاستيطان. ويأتي مشروع قانون تسوية الاراضي هذا ليس لتشريع الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الخاصة فقط، بل قفزة باتجاه شرعنة ضم الارض المحتلة؛ حيث ان هذا التشريع يجري تنظيمه من قبل الكنيست الاسرائيلي وليس على شكل امر عسكري. ان مصادرة الاملاك الخاصة، ومد الولاية القانونية للكنيست الاسرائيلي على الارض المحتلة يخالفان القانون الدولي العرفي مخالفة جسيمة.
إن القانون المشار اليه هو قانون قرصنة غير مسبوق في التاريخ البشري حين ترعى دولة عضو في الأمم المتحدة جرائم سرقة يقوم بها مواطنوها بدعم ورعاية الأجهزة الحكومية والمؤسسات الرسمية، وتمدهم بالدعم المالي والسياسي وتصلهم بالخدمات، بل وتمنح قرصنتهم تسهيلات واعفاءات ضريبية.
وفضلاً عما يشكله القانون من خرق فاضح لاتفاقية لاهاي الملزمة لكل الموقعين عليها (بند 26)، وخرقاً لمعاهدة روما باعتبار القانون يقوم على مصادرة أراضٍ خاصة من قبل الدولة المحتلة ومنحها لمواطنيها، فهو يشكل كذلك خرقاً جسيماً للائحة لاهاي لعام 1907، فقد جاء بنص المادة 47 "يُحظر السلب حظراً تاماً"، كما ذكرت المادة 55 منها "لا تعتبر دولة الاحتلال نفسها سوى مسؤول اداري ومنتفع من المؤسسات والمباني العمومية والغابات والأراضي الزراعية التي تملكها الدولة المعادية والتي توجد في البلد الواقع تحت الاحتلال، وينبغي عليها صيانة باطن هذه الممتلكات وادارتها وفقا لقواعد الانتفاع". كما تطرقت أحكام اتفاقيات جنيف، ومنها الاتفاقية الرابعة لعام 1949، لموضوع الاستيلاء ومصادرة ملكيات سكان الأراضي المحتلة وأعمال الاستيطان ونقل وترحيل سكان دولة الاحتلال المدنيين الي الأراضي الخاضعة لإدارة وسلطة قواتها، وبهذا المعنى فان التشريع المذكور يرقى الى مرتبة جريمة حرب.
كما أنّ ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المدنية والسياسية، يكفل حماية الممتلكات الخاصة. ويتناقض هذا التشريع مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948، فضلاً عن مخالفته لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عدم شرعية المستوطنات والدعوة لوقفها وتفكيكها في المناطق المحتلة.
ويتزامن هذا المشروع من حيث التوقيت مع تصعيد غير مسبوق في حملة التهجير القسري التي تقوم بها سلطات الاحتلال في القدس والمنطقة المصنفة (ج)، اذ أنه وفقاً لتوثيق مكتب تنسيق المساعدات الانسانية التابع للأمم المتحدة (اوتشا)، فقد بلغ عدد المنشآت التي هدمتها سلطات الاحتلال خلال الثلاثة أرباع الاولى من عام 2016، 885 مبنى ومنشأة نتج عنها تشريد 1247 مواطناً، وهو اعلى رقم تشهده الأراضي الفلسطينية في سنة واحدة منذ بدء المنظمة الدولية رصد عمليات الهدم عام 2009.
لقد آن الأوان للمجتمع الدولي بشكل عام، والدول الغربية بشكل خاص، أن تسمي الأشياء بأسمائها وأن تصنف الاستيطان ليس باعتباره عقبة أمام السلام وحل الدولتين فقط، بل باعتباره جريمة يستحق مرتكبها فرض العقوبات عليه وملاحقته قانونياً.
إن مجلس منظمات حقوق الانسان الفلسطينية اذ يعبر عن تنديده الشديد بهذا التشريع غير المسبوق انما يدعو:
1. الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن الدولي، الى اصدار قرار فوري بوقف هذا التشريع وكل تداعياته وتطبيقاته فوراً.
2. كل الأطراف الملتزمة بحل الدولتين ورعاية ما يسمى عملية سلام الى حماية قراراتها وتوجهاتها، لا سيما وأن هناك بنداً في خارطة الطريق التي التزم الجانب الفلسطيني بحصته منها، يدعو الى ازالة كافة البؤر الاستيطانية، وتتنكر حكومة الاحتلال لهذا الالتزام منذ اثني عشر عاماً.
3. الاتحاد الأوروبي إلى وقف اتفاقية الشراكة الاقتصادية، وأية اتفاقيات أخرى، مع دولة الاحتلال وفرض عقوبات عليها.
4. جامعة الدول العربية والأطراف العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع حكومة الاحتلال الى التدخل الفوري والصارم ضد هذا التحدي الوقح للإرادة الدولية ولأبسط مبادئ القانون الدولي.
5. القيادة الفلسطينية الى تصعيد جهدها الدولي والديبلوماسي ووقف اتصالاتها مع عصابة النهب، واعتبار القانون خطوة حاسمة باتجاه انهاء الاتفاقات مع دولة الاحتلال.
6. الأطراف الفلسطينية كافة الى انهاء انقساماتها وخلافاتها والوطن يضيع، اذ لن يبقى لها ما تتنافس عليه سوى فتات المساعدات والصدقات الدولية بعد ضياع وطنها، مما يتطلب برنامج اجماع وطني وخطة عمل ملزمة لخوض معارك دولية وشعبية لإنقاذ وحماية المشروع الوطني.
7. جماهير الشعب الفلسطيني الى تفعيل مقاومتها الشعبية والتصدي للدفاع عن ممتلكاتها وحقوقها، وأبسطها حقها التملك والعمل والتنقل والعيش بكرامة، وكلها حقوق مكفولة ومشروع الدفاع عنها حتى النفس الأخير.
-انتهى-