رام الله - منذ بداية عدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة في السابع من أكتوبر، قتلت قوات الاحتلال أكثر من 13,000 فلسطينياً في غزة وأكثر من 220 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة، معظمهم من النساء والأطفال، ولم تكتف سلطات الاحتلال بقتل الفلسطينيين وتشريدهم من بيوتهم فقط بل عملت على شن حملات اعتقال واسعة طالت معظم مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة، حيث رصدت مؤسسات الأسرى منذ السابع من أكتوبر نحو 3,000 حالة اعتقال في الضفة والقدس، تم الإفراج عن عدد منهم، فيما أبقت سلطات الاحتلال على اعتقال الأغلبية من المعتقلين، كما وتم تحويل معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري التعسفي، وبذلك يكون عدد الأسرى الكلي داخل سجون الاحتلال أكثر من 7,300 أسير حسب الإحصائيات الأولية، وطالت حملات الإعتقال عدداً كبيراً من الأسرى المحررين والنشطاء، إضافة إلى عشرات من الأطفال والنساء والصحفيين. يذكر أنه ولغاية اليوم لم يتمكن الصليب الأحمر الدولي من زيارة المعتقلين سواء في معسكرات الإحتلالأو مراكز التوقيف.
فيما رصدت مؤسسات حقوقية في الداخل الفلسطيني المحتل عشرات من حالات الاعتقالات التي طالت طلاب ونشطاء على خلفية نشرهم لمنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى العشرات من حالات الاعتقال في قطاع غزة دون معرفة تفاصيل وأرقام هذه الاعتقالات.
تنكيل وضرب للمعتقلين خلال عمليات الاعتقال..
مع بداية حملات الاعتقالات المستمرة في مختلف المناطق الفلسطينية، لوحظ بشكل جلي قيام الاحتلال بعمليات التنكيلبالضرب وتعمد الإهانة والترهيب، إضافة إلى تخريب الممتلكات الخاصة والعامة أثناء تنفيذ عمليات الاعتقال، حيث تقتحم أعداد كبيرة من جيش الاحتلال منذ السابع من أكتوبر المدن والقرى الفلسطينية وتبدأ باقتحام المنازل بشكل همجي، وغالباً ما يتم تفجير أبواب المنازل وترويع الأطفال، إضافة إلى استخدام الكلاب البوليسية، وفي كثير من الأحيان يتم إجراء تحقيق ميداني مع المواطنين داخل منازلهم واستخدام الشتم والصراخ والضرب على مرأى ومسمع باقي أفراد العائلة، وبحسب ما رصدت مؤسسات الأسرى فإن غالبية من تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم تعرضوا للضرب والإهانة خلال عمليات الاعتقال.
الطالب الجامعي (ع.ح)، واحد من عشرات المعتقلين الذين تعرضوا للضرب المبرح والتنكيل أثناء عملية الاعتقال، حيث اقتحمت قوات خاصة منزله في بلدة خربثا المصباح غرب مدينة رام الله، وبدأ الجنود بركله بالأقدام وضربه بشكل عنيفأمام عائلته، ولم يكتفِ جنود الاحتلال حينها بضربه وحده، حيث قام جنود الإحتلال بضرب أشقائه أمامه قبل تكبيله بشكل قوي وسحبه إلى الجيب العسكري، واستمر الجنود بضربه أثناء نقله في المركبة العسكرية، ثم قاموا بتصويره أثناء ضربه وإهانته ونشر المقاطع عبر منصة "تيك توك"، وبعد وصوله إلى معسكر عوفر قام جنود الإحتلال بالإعتداء عليه أيضاً، الأمر الذي تسبب له بآلامٍ في أنحاء جسده. بعد ذلك تم نقل ع.ح إلى "مركز توقيف عتصيون" وقام الجنود هناك بمعاملته معاملة قاسية، حيث قاموا بإلقائه على الأرض لمدة تزيد عن أربعة ساعات، ما حصل مع ع.ح هو سياسة الاحتلال الممنهجة الحالية بحق المعتقلين مؤخراً دون أدنى اكتراث لأي من المعايير الإنسانية.
حملات اعتقال واسعة وطوق عسكري حول القرى الفلسطينية..
(قرية المغير كنموذج)
تتعمد قوات الإحتلال شن حملات اعتقال واسعة تستمر غالباً لفترات طويلة كنوع من أنواع العقاب الجماعي تحديداًفي المناطق القريبة من التجمعات الإستيطانية، حيث يقتحم جيش الإحتلال المنطقة ويقوم بفرض طوق عسكري كامل ويبدأ بتفتيش واقتحام المنازل والتحقيق مع السكان، كما حدث في قرية المغير شمال مدينة رام الله، والتي كانت قد تعرضت لاقتحام واسع من قبل جيش الإحتلال عندما اقتحمت حوالي 50 آلية عسكرية وأكثر من 500 جندي اسرائيلي القرية فجر يوم الخميس 16/11/2023، وبدأت بتنفيذ مداهمات واسعة واقتحام للمنازل، وفرضت منعاًللتجوال، سُجلت حينها ما يقارب 50 حالة احتجاز للمواطنين من رجال ونساء وأطفال، أُفرج عن أغلبيتهم فيما تم الإبقاء على مواطنين اثنين.
ظروفٌ اعتقاليةٌ هي الأصعب داخل سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة..
(ستة شهداء أسرى في أقل من شهر..)
منذ استلام حكومة اليمين المتطرف سدة الحكم في دولة الإحتلال، بدأت سلطات الإحتلال تدريجياً بتضييق الخناق على الأسرى والأسيرات داخل السجون من خلال قرارتها الأخيرة التي تتعلق بالظروف المعيشية في السجون، ورغم كل القرارات والتصعيدات إلا أن ذروة التضييقات قد بلغت حدها الأعلى مع بداية عدوان الإحتلال في السابع من أكتوبر، حيث بدأ الإحتلال بقمع الأسرى بشكل همجي ومكثف، حيث سجلت العشرات من الإصابات بين صفوف الأسرى والأسيرات، وتنوعت سبل التنكيل منذ ذلك التاريخ بين تعطيش وتجويع بالإضافة إلى سحب كل مستلزمات الحياة الأساسية والإبقاء على الحد الأدنى منها، وزج العشرات من المعتقلين في غرف صغيرة لا تتسع لهذه الأعداد مع سحب البطانيات والفراش رغم دخول فصل الشتاء والبرد القارص داخل السجون.
وقامت إدارة مصلحة السجون بعزل العشرات من الأسرى بعد قمعهم والتنكيل بهم، ومنع الأسرى من الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي وسط تخوفات حقيقية على مصيرهم، فمنذ بداية عدوان الاحتلال بحق الأسرى استشهد 6 أسرى داخل سجون الاحتلال، وتعمدت إدارة مصلحة السجون عدم نشر أية تفاصيل تشير إلى ظروف ارتقائهم، كان أولهم الشهيد عمر دراغمة الذي ارتقى بتاريخ 23/10/2023، والشهيد عرفات حمدان ارتقى بتاريخ24/10/2023، والشهيد ماجد زقول والذي أعلن عن ارتقائه بتاريخ 6/11/2023، والشهيد عبدالرحمن مرعي والذي ارتقى بتاريخ 13/11/2023، وكان آخر الشهداء ثائر أبو عصب والذي ارتقى بتاريخ 18/11/2023، ولغاية الآن ما زالتإدارة مصلحة السجون تُخفي اسم أحد المعتقلين الشهداء، حيث اكتفت بنشر أنه من قطاع غزة.
وتستمر إدارة مصلحة السجون باستخدام شتى أساليب التنكيل وسحب كل ما حققه الأسرى من إنجازات على مدار عقود طويلة من النضالات الجماعية، والتي تشكل أدنى مقومات الحياة الآدمية وأبسط حقوق الأسرى المكفولة دولياً، ضاربةً بعرض الحائط كل الإتفاقيات والقوانين التي ضمنت حقوق الأسرى.
إهمال طبيّ متعمد وانتقام من الأسرى المرضى..
يعاني عشرات الأسرى داخل سجون الاحتلال من أمراض ومشاكل صحية متفاوتة، وسط إهمال طبي متعمد من قبل إدارة مصلحة سجون الاحتلال، حيث منع هؤلاء الأسرى المرضى في الأسبوع الأول من تلقي العلاج، ولغاية اليوم يمنع الاحتلال الأسرى المرضى من الخروج إلى العيادات الخارجية. إضافة إلى ذلك، يتواجد داخل "عيادة سجن الرملة" نحو 14 أسيراً يتلقون العلاج في ظروف صعبة للغاية، حيث قامت الإدارة بتقليل كميات الطعام وتقديم نوعيات رديئة لهم لا تناسب حالاتهم الصحية، مع استمرار منعهم من التواصل مع العالم الخارجي، إضافة إلى عمليات المداهمة والتفتيش المستمرة داخل السجون، وسحب بعض الأدوات الكهربائية منهم، وإغلاق الكانتينا، وتقليل مدة الفورة ل 45 دقيقة خلال اليوم، وتم عزلهم عن باقي الأسرى بحيث يمنعون الأسرى من مساعدتهم.
الأسير (م.س) والذي يعاني من مرض في الدم والربو، تم نقله لمقابلة ضابط المخابرات، وتم الاعتداء عليه بالضرب مما سبب له جرحاً في رأسه وكدمات بالقرب من عينه، من الجدير بالذكر أنه فقد من وزنه 10 كيلو غرام.
تضييق الخناق على الأسيرات في سجن الدامون..
(ما يقارب 80 أسيرة في سجن الدامون..)
منذ السابع من أكتوبر ومع بداية العدوان، تم اعتقال أكثر من 101 من النساء ضمن حملات الإعتقال المستمرة في الضفة والقدس والداخل المحتل، أفرج عن بعضهن وبقيت نحو 84 أسيرة رهن الاعتقال حتى تاريخ إصدار هذا التقرير، من الجدير ذكره أن عدد الأسيرات حتى بداية شهر أكتوبر كان قد بلغ 31 أسيرة.
يحتجز الإحتلال الأسيرات في ظروف صعبة للغاية في سجني "الدامون" و"هشارون" في الداخل المحتل، حيثاقتحمت وحدات تابعة لإدارة مصلحة السجون قسم الأسيرات أكثر من مرة منذ بداية الأحداث وتم الاعتداء عليهن بالضرب وعزل ممثلة الأسيرات مرح باكير، تقول إحدى الأسيرات التي كانت قد اعتقلت وأفرج عنها لاحقاً: "الظروف داخل السجون صعبة، وإدارة مصلحة السجون تتعمد تقديم كميات طعام قليلة جداً ورديئة، وفي كثير من الأحيان تقوم الأسيرات بإرجاع الوجبات بسبب عدم طهيها بشكل كافٍ ومناسب، إضافة إلى ذلك، هناك تفتيش بشكل متكرر وفي بعض الأحيان يتم الاعتداء عليهن، كما وقامت إدارة مصلحة السجون بسحب كل الأدوات الكهربائية، وهناك نقص حاد في عدد الأغطية والألبسة خصوصاً مع دخول الشتاء، واكتظاظ عدد الأسيرات داخل السجن".
الاعتقال الإداري التعسفي.. وسيلة للقمع والسيطرة تمارس بحق الشعب الفلسطيني..
(أكثر من 2500 معتقل إداري في سجون الاحتلال)
مع بداية حملات الاعتقال والاقتحامات المتكررة للقرى والمدن والمخيمات الفلسطينية وارتفاع أعداد المعتقلين داخل سجون الاحتلال، بدأت أعداد المعتقلين الإداريين بالارتفاع بشكل كبير جداً، حيث طال الإعتقال الإداري التعسفيالعشرات من النشطاء والصحفيين والأسرى المحررين ضمن العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين حوالي 2500 معتقل إداري، معظمهم تم إصدار أوامر الاعتقال الإداري أو تجديدها بعد السابع من أكتوبر، ويُبرز هذا الارتفاع في أرقام الإعتقال الإداري استخدام سلطات الاحتلال الإعتقال الإداري التعسفي كوسيلة للقمع والسيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكسياسة من سياسات العقاب الجماعي، كما ولم يسلم الأطفال أيضاً من هذه السياسة حيث بلغ عدد الأطفال تحت الاعتقال الإداري نحو 26 طفلاً، وهو ما يدلل علىاستخدام الإحتلال سياسة الإعتقال الإداري ضد جميع شرائح وفئات الشعب الفلسطيني دون أدنى اعتبارٍ للمحاذير أو المعايير الدولية.
احتجاز الرهائن للضغط على ذويهم من أجل تسليم أنفسهم.. سياسة أخرى برزت في الآونة الأخيرة..
منذ بداية الإحتلال عدوانه الواسع بعد السابع من أكتوبر، برزت سياسة احتجاز بعض أفراد العائلات من أجل الضغط على أبنائهم وأزواجهم لتسليم أنفسهم لجيش الاحتلال، وهو ما يعتبر ضمن سياسة العقاب الجماعي بحق المواطنين، ويشكل جريمة حرب حسب نظام روما الأساسي، وقد سلجت عدة حالات احتجاز واعتقال لنساء وأطفال للضغط على ذويهم، إحدى الحالات التي وثقت كانت للمواطن (م.خ) من بلدة نعلين، حيث اقتحمت قوات كبيرة منزله بتاريخ 13/10/2023، وبدأ جنود الإحتلال بسؤال أفراد العائلة عن (ع.خ) الذي لم يكن متواجداً بالمنزل تلك اللحظة، فقاموا بتصوير والدة (ع،خ) فيديو وإرساله عبر واتساب له لابتزازه، كما وقام الجنود بسكب الماء على أحد أطفال العائلة الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره وهو نائم، بعد ذلك قام الجنود باقتياده مع ابن شقيقه عبر آلية عسكرية إلىأحد المعسكرات وهناك تم التحقيق معه لمدة ساعتين وتهديده باعتقال كل أفراد العائلة في حال لم يسلم (ع.خ) نفسه لجيش الإحتلال، تم الإفرج عن (م.خ) لاحقاً، وذلك بعد أن قام ابن شقيقه بتسليم نفسه بعد ساعات من اعتقال افراد عائلته.
المئات من عمال غزة يتعرضون لشتى أنواع التعذيب والتنكيل من قبل جيش الاحتلال..
بعد أن شنت قوات الإحتلال عدوانها على قطاع غزة، قامت باعتقال 4,000 عامل من العمال الذين يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل ويحملون تصاريح عمل، حيث جرى احتجازهم في معسكر بالقرب من بئر السبع يدعى "سديه تيمان" إضافة إلى معسكر آخر يسمى "عناتوت" بالضفة الغربية، ولم يسمح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم، ولم يتم عرضهم على محاكم، لاحقاً، قام الإحتلال بإطلاق سراح أكثر من 3,000 عامل من القطاع وترحيلهم إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، فيما ظل مصير نحو 700 عامل مجهولاً لغاية اللحظة دون معرفة أية تفاصيل عنهم، وتحدث العديد من العمال المفرج عنهم عن ظروف قاسية ومعاملة لا إنسانية من قبل جيش الإحتلال أثناء احتجازهمواستخدام الإهانة والضرب بحقهم، وكان الاحتلال قد أعلن عن ارتقاء إثنين من عمال القطاع نتيجة للضرب وظروفالاحتجاز.
في هذا السياق، قامت سلطات الإحتلال بإجراء عدة تعديلات على قوانين وقرارات خاصة بمعتقلي قطاع غزة، حيث قامت حكومة الإحتلال بإصدار أوامر مؤقتة تتيح احتجاز ما يسميهم الإحتلال بـ"المقيمين غير القانونيين" وعدم عرضهم على المحاكم حتى ترحيلهم إلى القطاع بهدف التغطية على حقيقة احتجازهم دون إجراءات قانونية واضحة، إضافة إلى ذلك، أصدر الاحتلال أوامر جديدة يوم 7 أكتوبر 2023، اتاحت احتجاز المعتقل لمدة 45 يوماً قابلة للتجديد لـ 45 يوماً إضافية، وقامت حكومة الاحتلال أيضًا بإجراء تعديل على "قانون الاعتقالات، 1996" يتيح منع المعتقل من لقاء محاميه لفترة تصل إلى 90 يوماً، يأتي هذا كله في سياق عزل المعتقلين عن العالم الخارجي بشكل كلي وتركهم عرضة لسوء المعاملة والتعذيب، كنوع من أنواع الانتقام، كما ويندرج تحت مسمى جريمة الإخفاء القسري.