منذ بدء العدوان الشامل بحق الشعب الفلسطيني، شنت سلطات الاحتلال حملات اعتقال واسعة طالت مختلف فئات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، حيث وصل عدد المعتقلين من الضفة الغربية والقدس منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم (4575) معتقلاً ومعتقلة، عدا عن مئات حالات الاعتقال من قطاع غزة.
وفي ظل فرض العزل التام على الأسرى وتحديداً من قطاع غزة، ومع منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الزيارة، ومنع المحامين من زيارة المعتقلين من قطاع غزة، أظهرت مقالة أعدتها صحفية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الجرائم الفظيعة المرتكبة بحق المعتقلين من الرجال والنساء في معسكرات الجيش "سديه تيمان" و"عناتوت". حيث بينت أن هناك عدد من المعتقلين الذين استشهدوا داخل معسكر "سديه تيمان" دون التمكن حتى الآن من معرفة أعدادهم وأسمائهم، وأن المعتقلين يعانون ظروفاً قاسية جداً حيث يبقون مقيدي الايدي ومغمي العينين طوال الوقت، وهناك عدد من الأطفال والشيوخ داخل المعسكر، ينامون على فرشات رقيقة جداً على الأرض. وهناك بعض من النساء المحتجزات في معسكر "عناتوت".
وفي ذات السياق، فإن هناك ما يزيد عن 30 معتقلة فلسطينية من قطاع غزة في سجن الدامون، تعانين من ظروفٍ قاسية، حيث تقبع عدد من الأسيرات الطفلات والمسنات والمريضات والجريحات في سجن الدامون، أكبرهن مسنة تبلغ من العمر (82) عاماً وتعاني من مرض الزهايمر. كما وتمنعن المعتقلات من قطاع غزة من التواصل أو الاختلاط مع الأسيرات في الغرف المختلفة داخل السجن، ومنعن حتى اليوم من زيارات المحامين، إضافة إلى أنه يقدم لهن وجبتي طعام سيئة من ناحية الكم والنوع، ويسمح لهن بالاستحمام فقط لمدة ربع ساعة يومياً لأكثر من 30 معتقلة، إضافة إلى اقتحام الغرف وتفتيشها بشكل يومي. كما واقتحمت قبل يومين قوة مكونة من عدد كبير من الجنود غرفة المعتقلات من قطاع غزة واخضعهم للتحقيق، وجرى نقل 5 منهن إلى جهة غير معلومة.
لا تقتصر جرائم الاحتلال على إخفاء معتقلي غزة قسرياً في معسكرات الجيش، بل ويتم تطويع القانون لإخفاء المعتقلين قسرياً، فمنذ بدأ العدوان، عملت سلطات الاحتلال على تعديل الأوامر العسكرية والقوانين بما يخدم احتجاز أكبر عدد من المعتقلين ولفترات طويلة دون اتخاذ أي اجراء قانوني بحقهم. حيث عدّلت على قانون المقاتل غير الشرعي عدّة مرات بحيث أصبح يمكن اصدار أمر المقاتل غير شرعي خلال 42 يوماً بدلاً من 7 أيام، وتتم المراجعة القضائية خلال 45 يوماً بدلاً من 14 يوماً، ويمكن أن يتم منع المعتقلين من مقابلة محاميهم لمدة 80 يوماً. أما بخصوص تعليمات ساعة الطوارئ الخاصة بمنع لقاء محامي للمعتقلين الذين يتم التحقيق معهم، فإن مدة المنع هي 90 يوماً. إن التعديلات القائمة على القوانين وزيادة الأيام التي يمنع بموجبها المعتقل من لقاء محاميه، والمدد التي يجب أن يعرض فيها على القاضي هي شكل آخر من أشكال الاخفاء القسري، حيث لا يعلم المحامي مكان تواجد المعتقل أو الظروف التي يقبع بها، وتهدف هذه التعديلات إلى منع المحامين من رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين.
وفي هذا الإطار، يتبين تواطؤ القضاة الإسرائيليين في جريمة الإخفاء القسري، حيث أن موافقة القضاة على تمديد توقيف المعتقلين لفترات طويلة مع منعهم من لقاء محاميهم هو بمثابة مصادقة من القضاة على جرائم التعذيب وسوء المعاملة ومحاولة لإخفاء هذه الجرائم عن المحامين والمؤسسات الحقوقية العاملة في المجال، تحديداً في ظل غياب أي رقابة دولية على ظروف الاحتجاز.
إن جريمة الإخفاء القسري تعتبر جريمة ضد الإنسانية بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية[1]، وفي ظل تقاعس المحكمة الجنائية الدولية عن دورها في تحقيق سريع وفعال في جرائم الاحتلال، وإظهار المدعي العام لتحيّز واضح ضد الفلسطينيين، فإننا نطالب الدول بتحمل مسؤولياتها بجدية والعمل بهدف التحقيق السريع والفعال لمحاسبة ومساءلة دولة الاحتلال عن كافة جرائمها على مدار 75 عاماً، وفقاً لمسؤولياتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
[1] المادة (7)(1)(ط) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998