رام الله- شهدت قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال العام 2023، تحولات كبيرة لم تشهدها منذ سنوات الانتفاضات والهبات الشعبيّة التي شهدها الفلسطينيون، وارتبط هذا التحوّل مع مطلع العام باعتلاء الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيليّ سدة الحكم، وكان تاريخ ما بعد السابع من أكتوبر التّحول الأهم والأكبر على صعيد قضية الأسرى، وما تلاه من عدوان شامل ومتواصل على أبناء شعبنا، وإبادة جماعية يواصل الاحتلال الإسرائيليّ تنفيذها بحقّ شعبنا في غزة.
لقد فرضت هذه التحوّلات واقعًا هو الأكثر خطورة، نتيجة لمستوى الجرائم والانتهاكات التي نفذّها الاحتلال الإسرائيليّ، والتي اتخذت منحى عالٍ من التوحش الغير مسبوق، إن كنّا قارناها مع مستوى الجرائم التي نفّذها الاحتلال، في السنوات التي تصاعدت فيها مستويات المواجهة، والحالة النضالية ضد الاحتلال في سنوات الانتفاضات والهبات الشعبية، ويمكن قراءة مستوى الجرائم من عدة مسارات تشكّل فعليًا امتدادًا لنهج الاحتلال الإسرائيلي القائم على أساس نظام الفصل العنصري، وعمليات المحو المستمرة للوجود الفلسطينيّ، وأقل ما يمكن وصف هذا العام على واقع الأسرى فإنه العام الأكثر دموية منذ عام النكبة بالنسبة لأعداد الشهداء، وذلك جرّاء الإبادة الجماعية في غزة، والعدوان الشامل والمستمر في الضّفة، فلم يوفر الاحتلال أية أداة أو سياسة لاستهداف الفلسطينيين، وانتهاك كافة حقوقهم واستحداث أدوات جديدة لممارسة التوحش، وكانت سياسة الاعتقال، وجريمة التّعذيب، والإخفاء القسري، والإعدامات الميدانية، واغتيال معتقلين، بالإضافة إلى جريمة الاعتقال الإداريّ، وجريمة (العقاب الجماعي)، الجرائم الممنهجة الأبرز والتي طغت على واقع قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيليّ.
واستنادًا للمعطيات والمتابعة الحثيثة التي عملت عليها مؤسسات الأسرى خلال هذا العام: (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة – القدس)، نستعرض خلال هذه النشرة السنوية حصاد العام 2023، عبر قراءة لأبرز المعطيات حول عمليات الاعتقال، والجرائم والانتهاكات الكثيفة التي نفّذها الاحتلال سواء ما ارتبطت بعمليات الاعتقال، وكذلك بواقع الظروف الاعتقالية للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.
قراءة لأبرز المعطيات المرتبطة بحملات الاعتقال خلال عام 2023 والتحوّل الأبرز ما بعد السابع من أكتوبر
تتضمن حالات الاعتقال من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، ومن أفرج عنهم لاحقًا
بلغت حالات الاعتقال التي نفّذها جيش الاحتلال الإسرائيليّ خلال العام 2023 في الضّفة بما فيها القدس إضافة إلى حالات الاعتقال من غزة ما قبل السابع من أكتوبر، نحو 11 ألف حالة اعتقال، إلا أنّ هذه الحصيلة لم تشمل معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر. وبلغت حالات الاعتقال بين صفوف النساء (300)، وتشمل هذه الحصيلة النساء اللواتي اُعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1984 بعد السابع من أكتوبر، فيما بلغ عدد حالات الأطفال (1085).
فيما بلغت حالات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر أكثر من (5500)، من بينهم (355) طفلا/ة، و(184) من النساء تشمل من الأراضي المحتلة عام 1948، وتوضح الحصيلة أن نسبة حملات الاعتقال في الثلاثة شهور الأخيرة من العام تشكّل ما نسبته النصف من حصيلة حملات الاعتقال خلال العام 2023، فيما لم تشمل هذه الحصيلة عمليات الاعتقال التي نفّذها الاحتلال بحقّ المواطنين من غزة بعد السابع من أكتوبر، والتي شملت المقاومين، والمدنيين بما فيهم العمال الذين جرى اعتقالهم من الأراضي المحتلة عام 1948، فلم يتوفر للمؤسسات معطيات دقيقة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحقّ معتقلي غزة.
وكانت أعلى نسبة في حالات الاعتقال خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي شهد بداية العدوان والإبادة الجماعية في غزة وبلغت (2070) حالة اعتقال، وكذلك كانت أعلى نسبة في اعتقال النساء خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر وبلغت (66)، فيما كانت أعلى نسبة في اعتقال الأطفال خلال شهر نيسان/ أبريل وبلغت (146)، وهي نسبة مقاربة جدًا لعدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر حيث بلغت (145)، وكانت أعلى محافظة في أعداد حالات الاعتقال خلال العام في محافظة القدس (3261)، تليها محافظة الخليل التي شهدت أعلى نسبة في أعداد المعتقلين بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بـ(1943) حالة، وجنين بـ(1462).
تؤكّد مؤسسات الأسرى أنّ هذه الحصيلة هي مقاربة لعدد حالات الاعتقال التي نفذت ما بين عامي 2001-2002 أي خلال سنوات الأولى على انتفاضة الأقصى مع الإشارة مجددًا إلى أنّ عدد حالات الاعتقال لم تشمل معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر، ولا تعكس فقط الارتفاع في أعداد من تعرضوا للاعتقال، بل إنها تشكّل بذاتها شهادة حيّة لمستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحقّ المعتقلين الفلسطينيين، وعائلاتهم.
ويبلغ عدد إجمالي الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023 (8800)، من بينهم أكثر من (80) أسيرة في سجن (الدامون) فقط فيما لم يتسن لنا التأكد من بقية النساء المعتقلات من غزة والمحتجزات في معسكرات أخرى، فيما لم تتوفر حصيلة دقيقة للأطفال في السجون، ويبلغ عدد الإداريين (3291)، وعدد من صنفهم الاحتلال بالمقاتلين غير الشرعيين (661)، وتعني هذه الحصيلة أنّ عدد إجمالي الأسرى زاد بـ 3550 أسير عن عدد الأسرى في السجون ما قبل السابع من أكتوبر، كما أن عدد الإداريين زاد بـ 1971 معتقل.
وعلى مستوى الفئات التي استهدفتها حملات الاعتقال، فإنها لم تستثنّ أي فئة، شبان، وأطفال، ونساء، ومسنين، وإلى جانب هذه الفئات، فقد كانت نسبة اعتقال الأسرى السابقين والمحررين ومنهم الجرحى الأعلى، إلى جانب اعتقال المئات من المواطنين الفاعلين والطلائعيين على المستويات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والحركات الشعبية المناهضة للاحتلال، وشملت هذه الاعتقالات، صحفيون، وطلبة، وبرلمانيون، وحقوقيون، وفنانون، ومثقفون، وأساتذة، وأكاديميون، وعمال، وأطباء.
وشكلت جريمة الاعتقال الإداريّ التّحوّل الأبرز من حيث التصاعد الكبير في أعداد المعتقلين الإداريين والتي لم نشهدها منذ أكثر من 30 عامًا، حيث بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداريّ منذ مطلع عام 2023، أكثر من (5500) أمرًا، من بينهم (3819) جديدة و(1689) تجديد، وكان عدد الأوامر الصادرة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أكثر من (2670) أي ما نسبته نحو (49) % من عدد الأوامر الصادرة خلال العام.
أما على صعيد أعداد الصحفيين المعتقلين في سجون الاحتلال فقد بلغ عددهم (50) بينهم صحفية، وكانت النسبة الأعلى في اعتقال الصحفيين بعد السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال (49)، منهم (35) أبقى الاحتلال على اعتقالهم، و(20) منهم جرى تحويلهم إلى الاعتقال الإداريّ، فيما يواجه جزءًا منهم تهمًا تتعلق بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونستعرض هنا معطيات رقمية حول بعض الفئات من المعتقلين منهم البرلمانيون، حيث وصل عدد النواب المعتقلين في سجون الاحتلال (18) نائبًا بينهم النائب والأسيرة السابقة خالدة جرار، منهم (15) جرى اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر.
وفيما يتعلق ببعض فئات الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، فقد وصل عدد الأسرى المحكومين بالسّجن المؤبد (559)، وهناك عدد من الأسرى ينتظرون أحكامًا بالسّجن المؤبد، علمًا أن أعلى الأسرى حٌكمًا بين المؤبدات هو الأسير عبد الله البرغوثي الذي يقضي حكمًا بالسّجن المؤبد 67 مرة.
ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين بشكل متواصل منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو (22) أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ عام 1985، وإلى جانبهم (11) أسيرًا من محرري صفقة (وفاء الأحرار) المعاد اعتقالهم، وهم ممن واجهوا الاعتقال منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو، وجرى الإفراج عنهم عام 2011 ضمن صفقة (وفاء الأحرار)، ثم أعيد اعتقالهم عام 2014 وأعيد لهم أحكامهم السابقة، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى ما مجموعه في سجون الاحتلال (44) عامًا، علمًا أنّ عدد الأسرى المعاد اعتقالهم من صفقة (وفاء الأحرار) (48) أسيرًا.
وبلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة خلال عام 2023 (10) شهداء، كان أول من ارتقى خلال عام الشهيد الأسير والجريح وديع أبو رموز من القدس الذي ارتقى في مستشفى (هداسا) وكان ذلك في شهر كانون الثاني 2023، والشهيد الثاني أحمد أبو علي من مدينة يطا الذي ارتقى في مستشفى (سوروكا) في العاشر من شباط 2023 بعد تعرضه لجريمة طبيّة، وكان من بين شهداء الحركة الأسيرة الشهيد خضر عدنان من جنين، والذي أقدم الاحتلال على تصفيته، بعد إضراب خاضه، رفضًا لاعتقاله التعسفي، واستمر لمدة 86 يومًا وارتقى في الثاني من أيار 2023، فيما ارتقى (6) أسرى داخل سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر وحتى نهاية عام 2023 وهم: (عمر دراغمة من طوباس، وعرفات حمدان من رام الله، وماجد زقول من غزة، وشهيد رابع لم تعرف هويته، وعبد الرحمن مرعي من سلفيت، وثائر أبو عصب من قلقيلية)، علمًا أن إعلام الاحتلال كشف عن معطيات تشير إلى استشهاد معتقلين آخرين من غزة في معسكر (سديه تيمان) في (بئر السبع)، والاحتلال يرفض الكشف عن أي معطى بشأن مصير معتقلي غزة.
ويشار إلى أنّ 17 شهيدًا من شهداء الحركة الأسيرة واصل الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامينهم حتى نهاية 2023، من بينهم (8) شهداء ارتقوا خلال العام 2023.
وبذلك فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 حتى نهاية عام 2023، بلغ (243).
أبرز الجرائم والسياسات والانتهاكات التي رافقت حملات الاعتقال
عكست حملات الاعتقال الكبيرة والتي بلغت ذروتها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقائع مرعبة وجرائم، وانتهاكات هي الأكثر خطورة منذ عقود، وكانت مؤسسات الأسرى وفي عدة أوراق قد تناولت العديد من هذه السياسات والجرائم وكانت أبرز هذه الجرائم، جريمة التعذيب التي فرضت نفسها في معظم شهادات المعتقلين، إلى جانب التنكيل والضرب والمبرح، تهديدهم بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر، والتّحقيق الميداني معهم، والتّهديد بالاغتصاب، واستخدام الكلاب البوليسية، واستخدام المواطنين كدروع بشرية ورهائن، عدا عن عمليات الإعدام الميداني التي نفّذت بحقّ المواطنين خلال حملات الاعتقال منهم أشقاء لمعتقلين، وغيرها من الجرائم والانتهاكات الوحشية، وعمليات التّخريب الواسعة التي طالت المنازل، ومصادرة مقتنيات وسيارات، وأموال، ومصاغ ذهب، وأجهزة الكترونية، إلى جانب هدم وتفجير منازل تعود لأسرى في سجون الاحتلال، وإقدام جنود الاحتلال على تصوير المعتقلين بعد اعتقالهم في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية، وأدت هذه الجرائم والفظائع التي لم نشهدها منذ عقود إلى ترك آثار بالغة الخطورة على مصير الآلاف من المعتقلين وعائلاتهم.
خسارات فادحة في منازل المواطنين والبنى التحتية في عدة مناطق رافقت حملات الاعتقال
تنتهج قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال حملات الاعتقال التي تنفذها في الضّفة، إحداث أكبر الأضرار المادية داخل منازل المواطنين، وممتلكاتهم، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البنى التحتية وتجريف الشوارع والممتلكات العامة في بعض المناطق وكان أبرزها في محافظة جنين ومخيمها، وكذلك محافظة طولكرم، وقدرت هذه الخسائر بملايين الشواقل، وكان جنود الاحتلال يتعمدون التخريب، بدءًا من تفجير الأبواب إلى تكسير كافة الأثاث في المنزل، هذا عدا عن السرقات والمصادرات التي نفذها الجنود، وشملت مصاغ ذهب، وأموال من محالات للصرافة بلغت 10 ملايين شيقل، وسيارات، وأجهزة الكترونية، هذا إلى جانب هدم منازل لعائلات الشهداء، وثمانية تعود لعائلات الأسرى.
هذا ولم يقتصر الأمر على المعتقلين من الضّفة، فقد شملت عمليات السرقة والمصادرات معتقلين غزة، وتحديدًا العمال الذين جرى اعتقالهم من الأراضي المحتلة عام 1948، فقد تمت مصادرة الأموال والمقتنيات التي كانت بحوزتهم، وجردوهم منها.
السيطرة على الهواتف والأجهزة الالكترونية بمجرد تعرض الشخص للاعتقال
من خلال العشرات من الشهادات التي تابعتها المؤسسات، برزت قضية السيطرة ومصادرة الهواتف والأجهزة الإلكترونية بمجرد اقتحام المنزل وتنفيذ عمليات الاعتقال، وذلك بهدف الحصول على معلومات، حيث تعد مصادرة الهواتف إحدى أبرز أدوات السيطرة والرقابة، التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيليّ، ولم يتوقف الأمر عند اقتحام المنازل بل يتعمد جنود الاحتلال على الحواجز العسكرية، مصادرة الهواتف والاطلاع على محتواها، والتي يمكن أن تعرض الشخص، للاعتداء عليه بالضرب المبرّح، أو اعتقاله، على خلفية التحريض، وساهمت عمليات المصادرة للهواتف في إحداث أثر على مجريات التحقيق، ومصير المعتقل لاحقًا.
النساء في ضوء حملات الاعتقال المتصاعدة
واصل الاحتلال الإسرائيليّ استهداف النساء الفلسطينيات، من خلال حملات الاعتقال الممنهجة، والتي طالت منذ مطلع العام الجاري (300)[3]، حيث تعرضت النساء لعمليات تعذيب وتنكيل وضرب مبرح، وتهديدات وصلت إلى حد التهديد بالاغتصاب، واستخدامهن كرهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه، إلى جانب تعرضهن للتفتيش العاري والمذل، عدا عن الإساءة لهن لفظيا وشتمهن بألفاظ نابية وبذيئة، وهذا ما عكسته غالبية الشهادات التي تابعتها المؤسسات، وقد تصاعدت الجرائم والانتهاكات بحقّ النساء بعد السابع من أكتوبر مع تصاعد حالات الاعتقال بين صفوفهنّ، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال للنساء بعد السابع من أكتوبر (184)، ولم تقتصر هذه الجرائم على النساء اللواتي استهدفن عبر الاعتقال، وإنما طال ذلك زوجات المعتقلين وأمهاتهم، وشقيقاتهم، بالتهديد والضرب المبرح، منهن من أصبن بإصابات جسدية جرّاء ذلك عدا عن الآثار النفسية التي أثقلت النساء جراء ذلك.
وفي ضوء المعطيات الخطيرة التي ارتبطت بواقع سياسة اعتقال النساء، فقد عكست هذه المعطيات، تعمد الاحتلال باستهداف أجساد النساء، من خلال التعذيب والتنكيل، والتفتيش العاري، واجبارهن على خلع الحجاب، وحرمانهنّ من احتياجاتهن الأساسية، واحتجازهن في ظروف قاسية ومأساوية في السجون والمعسكرات، وهنا نشير إلى العشرات من نساء غزة اللواتي اعتقلن خلال الاجتياح البري لغزة، ويفرض الاحتلال عليهن جريمة (الإخفاء القسري).
إنّ كثافة الجرائم الحاصلة بحقّ النساء، تشكّل اليوم أبرز وقائع هذه المرحلة وأشدها خطورة، والتي تشكّل امتداداً لتاريخ طويل من الاستهداف الاحتلال للنساء.
تصاعد الجرائم بحق الأطفال مع تصاعد حملات الاعتقال
استمر الاحتلال الإسرائيليّ في استهداف الأطفال الفلسطينيين خلال العام 2023، عبر سياسة الاعتقال الممنهجة، والتي طالت خلال العام (1085) طفلًا/ة منهم (355) جرى اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر، فقط شكّل هذا العام امتدادًا لمجمل الجرائم الّتي انتهجها الاحتلال بحقّ الأطفال من عمليات تعذيب وتنكيل، وإطلاق النار عليهم، واستخدامهم كرهائن، واحتجازهم لاحقًا في السجون والمعسكرات في ظروف قاسية ومأساوية، ويأتي هذا في إطار استهداف أوسع لوجود الأطفال الفلسطينيين، في ظل الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة.
وتركز استهداف الأطفال بشكل أساس في القدس حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال فيها (696)، إضافة إلى بعض المخيمات والبلدات التي تقع في مناطق تماس مع جنود الاحتلال الإسرائيليّ.
ولم يستثنّ الاحتلال الأطفال من عمليات الاعتقال الإداريّ، الّتي شكلت التّحوّل الأبرز والأهم على صعيد أعداد المعتقلين ومصيرهم، حيث بلغ عدد الأطفال المعتقلين إداريًا، وفقًا لمعطيات المؤسسات فقط بلغ عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال الإداري خلال عام 2023، (40) جرى الإفراج عن جزء منهم واليوم تبقى في سجون الاحتلال ما يقارب الـ(20) طفلًا معتقل إداري.
عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية 2023 هو الأعلى منذ سنوات انتفاضة 1987
منذ عقود تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقال الإداري التعسفي كسياسة من سياسات القمع والسيطرة بحق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يلجأ الاحتلال لاعتقال المئات من الفلسطينيين تحت مسمى الاعتقال الإداري دون تقديم تهمًا أو لوائح اتهام بحجة ما تسميه "بالملف السري"، وهي بذلك تحرم المعتقلين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتحرمهم من أدنى ضمانات المحاكمات العادلة، وبالرجوع إلى الكيفية التي تستخدم فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقال الإداري، نرى أنها تنتهك بشكل واضح كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تلجأ سلطات الاحتلال لاستخدام الاعتقال الإداري بشكل متواصل وممنهج دون وجود أي أسباب أمنية قهرية حقيقية، كما أنها تلجأ للاعتقال كخيار أول وأخير ضد الفلسطينيين لقمعهم وإحكام السيطرة عليهم، كما وتستخدم سلطات الاحتلال الاعتقال الإداري كإجراء عقابي في كثير من الأحيان وليس كتدبير احترازي.
ومنذ مطلع هذا العام، شهدنا تكثيف الاحتلال لسياسة الاعتقال الإداري، حيث بلغ مجمل عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بداية العام 5500 أمر اعتقال بين أوامر جديدة وتجديد للأوامر السابقة، فيما بلغ مجمل عدد أوامر الاعتقال الإداري 2670 أمر خلال أقل من ثلاثة أشهر، وهو الرقم الأعلى منذ عشرات السنوات قياسًا بالفترة القليلة التي تمت فيها الاعتقالات، حيث لم نشهد مثيلًا لهذه الأرقام منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وكان عدد المعتقلين الإداريين قبل السابع من أكتوبر قد بلغ نحو 1320 معتقلًا، إلا أن هذا العدد قد تضاعف مع بداية عدوان الاحتلال في السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى تاريخ كتابة هذا التقرير نحو 3291 معتقلًا إداريًا، منهم نحو 20 طفلًا في الاعتقال الإداري، و7 نساء، و25 صحفيًا، و16 نائبا.
مؤخرًا ومع تصاعد عدوان الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، نرى أن الاعتقال الإداري طال مختلف الشرائح والفئات العمرية، حيث استهدف الاحتلال في حملاته الواسعة الصحفيين والأسرى المحررين والناشطين وحتى كبار السن والأطفال والنساء، ومن بين أكثر من 5500 معتقل اعتقلهم الاحتلال منذ السابع من أكتوبر تم تحويل الغالبية منهم إلى الاعتقال الإداري، يذكر أن الاحتلال كان قد جدد أوامر اعتقال إداري بحق معتقلين سابقين أنهوا أوامر اعتقالهم خلال فترة العدوان المستمر، عدد كبير منهم كان قد صدر بحقهم أوامر اعتقال إداري جوهري.
ويلجأ الاحتلال عادة وفي كل عدوان على قطاع غزة وخلال الاجتياحات إلى استخدام سياسة الاعتقال الإداري بشكل واسع النطاق ضمن حملات اعتقال واسعة في مختلف محافظات وقرى ومخيمات الضفة الغربية باعتبارها أسهل وسيلة لزج أكبر عدد من الفلسطينيين داخل السجون ومنعهم من ممارسة أي شكل من أشكال النضال، وبالعودة إلى التاريخ، نجد أنه وخلال اجتياح الاحتلال لمدن الضفة الغربية إبان اندلاع انتفاضة الأقصى 2002 وصل عدد المعتقلين الإداريين نحو 2500 معتقل إداري خلال شهري آذار ونيسان فقط، ضمن حملات الاعتقالات التي اعتادت سلطات الاحتلال على شنها مع أي انتفاضة أو عدوان، أيضًا خلال عدوان عام 2014 البري الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة شنت سلطات الاحتلال حملات اعتقال واسعة في الضفة اعتقلت أكثر من 1500 مواطن من مدن وقرى الضفة، منهم نحو 500 تم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري التعسفي، وهذا ما يدلل على استخدام الاحتلال الاعتقال الإداري كسياسة لإسكات صوت الفلسطينيين.
الاخفاء القسري.. جريمة أخرى من الجرائم ضد الإنسانية ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين
منذ بدء العدوان والاجتياح البري في قطاع غزة بدأ الاحتلال بتنفيذ حملات اعتقال جماعية بحق المدنيين في مراكز الإيواء والمدارس والمنازل والممرات الآمنة، حيث اعتقل جيش الاحتلال المئات من الفلسطينيين بشكل همجي وغير مسبوق، ويقوم جيش الاحتلال باستمرار بنشر صور ومقاطع فيديو تظهر المعاملة غير الإنسانية بحق المعتقلين، ولغاية الآن منذ أسابيع يتكتم الاحتلال عن مصير المعتقلين من القطاع أو حتى الإفصاح عن أعدادهم، ويمنع المحامين والصليب الأحمر من زيارة المعتقلين، وهو ما يعتبر ضمن جريمة الاخفاء القسري بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ووفقًا للمعلومات الضئيلة التي وردت من خلال شهادات لأسرى جرى الإفراج عنهم فإن المعتقلين يعيشون ظروفًا هي الأقسى داخل سجون الاحتلال، حيث قام الاحتلال بتجريدهم من ملابسهم، ويتم تكبيل أيديهم طوال الوقت، ويتعرضون لجرائم طبية، وأكد الأسرى في سجن عوفر من خلال زيارتهم أن الاحتلال يحتجز المئات من أسرى قطاع غزة في قسم 23، ويسمعون أصوات صراخهم جراء التعذيب والتنكيل بهم، إضافة إلى سماعهم لأصوات عواء الكلاب التي تنهش أجسادهم، يذكر أن الاحتلال كان قد أعلن عن ارتقاء إثنين من معتقلي قطاع غزة خلال شهر تشرين الثاني، تم الكشف عن هوية أحدهم وهو الأسير الشهيد أحمد زقول، وأسير آخر من القطاع لم تفصح سلطات الاحتلال عن اسمه وتفاصيل ارتقائه لغاية الآن.
وحسب ما تبين من خلال الإعلام العبري فإن سلطات الاحتلال تحتجز المئات من المعتقلين أيضًا في معسكر "سديه تيمان" بالقرب من بئر السبع في الداخل المحتل و معسكر "عناتوت" بالقرب من مدينة القدس المحتلة، والذي تحتجز فيه عددًا من النساء والأطفال وعشرات من المعتقلين الرجال، من الجدير بالذكر أن هذه المعسكرات تابعة لجيش الاحتلال وغير صالحة لاحتجاز المعتقلين، وتظهر مقالة نشرت في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أشكالًا مريبة للظروف التي تحتجز فيها المعتقلين من قطاع غزة، حيث تحدثت المقالة عن ارتقاء مجموعة من المعتقلين في معسكر "سديه تيمان" دون ذكر عددهم أو أية تفاصيل تشير إلى ظروف ارتقائهم. وفي هذا الإطار، كان وزير الأمن القومي (بن غفير) قد زار أحد المعتقلات التي يحتجز فيها معتقلين من قطاع غزة وأوعز إلى إدارة السجون بنقلهم إلى قسم الزنازين "ركيفت" المقام تحت سجن (نيتسان الرملة)، الذي يعد من أسوأ السجون وأقدمها، قائلًا أنهم لا يستحقون أن يروا الشمس، وكانت إدارة السجون قد نشرت مع نهاية العام أنها تحتجز 661 معتقلًا من قطاع غزة كمقاتل غير شرعي علمًا أن هذا الرقم لا يمثل كافة المعتقلين الذين تم اعتقالهم من القطاع.
وبحسب رصد مؤسسات الأسرى فإن أكثر من 40 معتقلة من قطاع غزة يتواجدن في سجن الدامون بينهن طفلات وأمهات ومسنات، منهن معتقلة مسنة تجاوزت سن الثمانين وتعاني من الزهايمر، وتعزل الأسيرات في سجن الدامون عن باقي الأسيرات في الغرف الأخرى وعن العالم الخارجي من خلال منعهن من لقاء المحامين، وتقدم لهن كميات طعام ضئيلة جدًا وبنوعيات رديئة، إضافة إلى الاقتحامات المتكررة والتنكيل بهن، حيث جرى نقل 5 أسيرات منهن إلى جهة لا زالت مجهولة.
ومنذ بدء حملات الاعتقالات العشوائية في القطاع، تعمدت سلطات الاحتلال على تطويع القانون لتسهيل عملية إخفاء المعتقلين قسرًا من خلال إصدار عدة قرارات وتعديلات قضائية تتيح للقضاة المتواطئين مع سياسات دولة الاحتلال العمل على إخفائهم قسرًا وبمسوغات قانونية، فبعد أن فعّلت سلطات الاحتلال ما يسمى "قانون المقاتل غير الشرعي"، قامت بإجراء عدة تعديلات حيث أصبح من الممكن إصدار أمر المقاتل غير شرعي خلال 45 يومًا بدلًا من 7 أيام، وأن تتم المراجعة القضائية خلال 75 يومًا بدلًا من 14 يومًا، ومكنت التعديلات القضائية سلطات الاحتلال من منع المعتقلين من لقاء محاميهم لمدة 180. وتعد هذه التعديلات بخصوص الفترات التي يمنع المعتقلين من القطاع من لقاء المحامين والتعديلات التي تخص المدد التي يجب عرض المعتقلين فيها على القضاة هي شكل من أشكال الإخفاء القسري وتهدف بشكل أساسي إلى منع المحامين من رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين الذين يتعرضون لأبشع ظروف الاحتجاز وأصعبها.
اغتيال العشرات من الأسرى السابقين والمحررين
فرض مستوى المواجهة التي تصاعدت خلال العام 2023، تصاعد في سياسة الاحتلال المتمثلة باغتيال وملاحقة الأسرى السابقين والمحررين، فلم يكن الاعتقال فقط هو الأداة لملاحقتهم حيث أنّ الجزء الأكبر ممن تعرضوا للاعتقال هم أسرى سابقون ومحررون، بل كذلك انتهج الاحتلال سياسة اغتيالهم، وتصاعد ذلك بعد السابع من أكتوبر، في ظل استمرار الإبادة الجماعية في غزة، والتي ارتقى فيها العديد من الأسرى السابقين والمحررين والمبعدين، وأفرادًا من عائلاتهم، حيث يسعى من خلال هذه الجرائم، استهداف أي فلسطيني فاعل يمارسه حقّه بالنضال.
الإعدامات الميدانية
شكّلت جريمة الإعدامات الميدانية أبرز الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيليّ، والتي تصاعدت بشكل خاصّ بعد الاجتياح البري لغزة، ولم يتسنّ للمؤسسات الحقوقية تقدير أعداد من أعدموا ميدانيًا، كما واصل الاحتلال تنفيذها في الضّفة التي شهدت تصاعد كبير في هذه الجريمة منذ عامين، وخلال عام 2023، نفّذ الاحتلال العديد من عمليات الإعدام الميداني خلال حملات الاعتقال، والتي استهدفت أفرادًا من عائلات المعتقلين، وفي ضوء العديد من المعطيات التي تتصاعد تحديدًا فيما يتعلق حول مصير معتقلي غزة، فإنّ التخوفات من تنفيذ إعدامات بحقّ معتقلي غزة الذين يتعرضون للإخفاء القسري تتصاعد وبشكل كبير.
أبرز المناطق التي شهدت مواجهة عالية مع الاحتلال وفرضت انعكاساً على مستوى جرائم الاحتلال.
فرض مستوى المواجهة المتصاعدة منذ مطلع العام 2023، في عدة مناطق وأنحاء في الضّفة، تحولًا هامًا على صعيد مستوى الجرائم التي نفذها الاحتلال، وتركزت الجرائم في محافظات جنين ومخيمها، حيث شهد مخيم جنين خلال شهر تموز 2023 عمليه اجتياح وعدوان عسكري واسع دام لمدة ثلاث أيام أسفر عن تهديم البنى التحتية وارتقاء شهدا، وتنفيذ إعدامات ميدانية، بالإضافة الى حملات اعتقال واسعة بين صفوف المواطنين في المخيم وإجراء تحقيقات ميدانية بحقهم.
كما وشهدت طولكرم ومخيماتها اقتحامات هي الأوسع والأشد منذ سنوات، خلالها نفّذ الاحتلال تدمير للبنى التحتية واعتقال مواطنين، وخلال الاقتحامات المتكررة اترقى العديد من الشهداء، وكذلك محافظة أريحا ومخيم عقبة جبر الذي شهد العديد من الاقتحامات وعمليات اعتقال هي الأوسع في أريحا منذ سنوات طويلة، ومحافظة نابلس وبلدتها التي شهدت العديد من الاقتحامات وعمليات اغتيال لمطاردين، بالإضافة إلى محافظة طوباس التي شهدت عمليات اعتقال واسعة مقارنة مع السنوات السابقة واقتحامات متكررة، أما على صعيد محافظة الخليل فقد شهدت حملات اعتقال متصاعدة، وبشكل أساس بعد السابع من أكتوبر، وكانت الأعلى من بين المحافظات بعد السابع من أكتوبر.
وفي القدس التي شكّلت على مدار السنوات الماضية الشاهد الأكبر على مستوى حملات الاعتقال، ومستوى المواجهة اليومية، ويمكن التأكيد على أنّ مجمل الجرائم التي تصاعدت في مناطق أخرى من الضّفة، كانت القدس هي المحور الأساس في تصاعد جرائم الاحتلال ومنذ سنوات، وتحديدًا على صعيد عمليات الاعتقال، وفي واقع الأمر لا تعكس أعداد حالات الاعتقال، الارتفاع في أعداد المعتقلين، وإنما في مستوى الجرائم والانتهاكات التي شهدتها هذه المناطق.
القدس: تصدرت النسبة الأعلى في أعداد حالات الاعتقال
بلغت حالات الاعتقال في القدس للعام 2023، (3261) من بينهم (696) طفلًا و(165) من النساء والفتيات، لتشكل هذه النسبة الأعلى مقارنة مع بقية محافظات الضّفة، منها 987 حالة اعتقال، سجلت بعد السابع من أكتوبر، فيما بلغ عدد الأوامر الإداري الصادرة بحقّ أسرى مقدسيين 80 أمرًا، كما واستمر الاحتلال بتنفيذ سياسة الحبس المنزلي بحق المقدسيين، كإحدى أبرز السياسات التي انتهجها الاحتلال في القدس بشكل خاصّ.
وكانت أعلى نسبة في حالات الاعتقال في القدس خلال شهر نيسان/ 14 رمضان، حيث سجل في هذا التاريخ اعتقال (440) شخصًا من داخل المسجد الأقصى، بعد ضربهم والتنكيل بهم، والعشرات من المعتقلين أصيبوا بأعيرة مطاطية وشظايا قنابل أو هراوات، وكسور.
وشهدت القدس، جملة من السياسات الممتدة بحقّ الأسرى سابقين، كان من أبرزها إعادة اعتقال من يتم الإفراج عنهم، وفرض شروط بحقّهم، كان من أبرزها الإبعاد عن القدس، وعن منطقة السكن، ومنع مظاهر الاحتفاء بالحرية، وفي إطار استهداف الأسرى السابقين، فقد أعلن الاحتلال عن نيته بسحب (الهوية الإسرائيلية) من أسيرين مقدسيين، كما ونفّذت قوات الاحتلال عشرات الاقتحامات لعائلات الأسرى المقدسيين، بهدف الحجز على مخصصاتهم من السلطة الفلسطينية، حيث استند قرار الاحتلال على قانون ما يسمى (بمكافحة الإرهاب لعام 2016).
وبلغت أوامر الإبعاد التي صدرت بحقّ المقدسيين (1105)، شملت "إبعاد عن القدس، البلدة القديمة، الأقصى، مناطق السكن، شوارع القدس، الضفة الغربية"، وبحسب القرار، فإنه سيتم الحجز على أموال الأسرى أو ممتلكات بقيمة الأموال المفروضة عليهم، حتى يتم تسديد المبلغ المفروض على كل أسير بالكامل، وتنوعت الأموال المحتجزة بين نقدية وعينية، منها حصالات أطفال ومصاغ من الذهب والفضة ومقتنيات وألعاب ومركبات ودراجات نارية، إضافة الى الحجز على الحسابات البنكية لعشرات الأسرى وعائلاتهم.
قوانين وتعديلات على أوامر عسكرية لتسهيل عمليات الاعتقال وتوسيعها
منذ بداية عام 2023 باشرت حكومة الاحتلال بسن سلسة من القوانين التي استهدفت الأسرى لتنكيل بهم وقد طالت عائلاتهم وأموالهم، حيث قامت سلطات الاحتلال بإصدار مجموعة من الأوامر العسكرية والتعديلات على القوانين والتي كان من ضمنها التعديل على قانون السجون والذي خرق قرار المحكمة الإسرائيلية بتحديد حد أدنى للمساحة المعيشية لكل أسير والتي أقرتها المحكمة ب4.5 متر مربع، وسمح القرار لإدارة السّجون بعدم الالتزام بمساحة العيش المقررة لكل أسير، وذلك حسب ظروف الزنازين ومساحاتها، ونص على إمكانية احتجاز الأسرى بدون سرير في الحالات التي لا يمكن توفير السرير ولأقصر مدة ممكنة، الأمر الذي انعكس على الأسرى؛ حيث أصبح هناك اكتظاظ كبير في الزنازين، إضافة الى نوم الأسرى على الأرض.
إضافة إلى ذلك، فقد أصدر ما يسمى بالحاكم العسكري أو (بقائد المنطقة) أمرًا عسكريًا مؤقتًا رقم (2148) فيما يخص الاعتقال الإداري؛ حيث تم تمديد مدة إصدار أمر الاعتقال من 72 ساعة الى 6 أيام، أما المراجعة القضائية لأوامر الإداري تم تمديدها من 8 أيام لتصبح 12 يوما. وهو ما يظهر التعسف في احتجاز الأسرى الفلسطينيين، لمدد طويلة دون محاكمة أو تهمة ويتيح لقائد المنطقة مدة أطول لإصدار أوامر الاعتقال لعدد أكبر من الأسرى، وهذه المدد الطويلة تعطي فرصة لإدارة السجون بالتنكيل بالأسرى وتحول دون تمتعهم في الحد الأدنى من حقوقهم، ويشجع دولة الاحتلال على الاستمرار في احتجاز عدد أكبر من الفلسطينيين وزجهم في السجون.
ومن بين الإجراءات الأخيرة، عمل الاحتلال على تفعيل المادة (33) من الأمر العسكري رقم (1651)، والتي تنص على إجراءات الاعتقال "في حملة عسكرية لمواجهة الإرهاب" والتي تتيح اعتقال الشخص لمدة 8 أيام قبل عرضه على المحكمة بدلًا من 96 ساعة، بحيث يمنع تلقائيًا من لقاء محاميه لمدة يومين.
أما فيما يتعلق في الأسرى الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال من قطاع غزة يتم احتجاز غالبيتهم بناء على قانون المقاتل غير الشرعي(2002) والذي خضع للعديد من التعديلات منذ بداية العدوان، كان آخرها بتاريخ 18/12/2023 حيث صدر تعديلًا على قانون المقاتل غير الشرعي تم من خلاله استبدال مدة إصدار أمر الاعتقال من 21 يومًا الى 45 يومًا، ومدة المراجعة القضائية من 30 يوما الى 75 يوما، وتم التعديل على منع لقاء المحامي بدون أمر المحكمة حتى وصلت ل 75 يومًا، وأما بخصوص تعديل منع لقاء المحامي من قبل قاضي وصل حتى 180 يومًا، يذكر أن إدارة مصلحة السجون كانت قد نشرت تقريرًا يفيد بأنها لا زالت تعتقل 661 معتقلًا رهن قانون المقاتل غير الشرعي.
تحولات كبيرة شهدها واقع الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2023
قبل السابع من أكتوبر وما بعده
لم يكن السابع من أكتوبر بداية الإجرام الذي مارسته إدارة السّجون بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، بل شهد هذا العام تحوّلات كبيرة جدًا بدأت منذ تولي الحكومة الأكثر تطرفًا على الإطلاق في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيليّ، وحتى شهر سبتمبر من العام 2023، نفّذ الأسرى خطوات احتجاجية شاملة في كافة السّجون، ردًا على الإجراءات التي أعلن عنها الوزير الفاشي (بن غفير)، والتي هدف منها، سلب الأسرى ما تبقى لهم من حقوق، وقد مسّت هذه الإجراءات أبسط حقوق الأسرى، بدءًا من المدة المسموح للأسرى الاستحمام فيها، وكمية المياه التي تصل إلى أقسامهم، عدا عن التصاعد في سياسة الاقتحامات المتكررة لأقسام الأسرى، وقمعهم، وعزلهم، وفرض عقوبات بحقّهم، منها الغرامات المالية، والحرمان من زيارة العائلة، وكذلك الحرمان من (الكانتينا)، وهذه الإجراءات طالت كافة الأسرى بما فيهم الأسيرات والأطفال.
إنّ التصاعد الحاصل في مستوى الجرائم بعد السابع من أكتوبر، كان ممهدًا له بقرار من أعلى سلطة لدى دولة الاحتلال والتي حرضت بشكل واضح وعلني على قتل الأسرى وإعدامهم وتمرير قوانين عنصرية تمس مصير الأسرى، وعملت إدارة السّجون بكل ما تملك من أدوات وسياسات لفرضها على الأسرى، وتمكّن الأسرى بالحد الأدنى من مواجهة هذه الإجراءات، واستمرت محاولاتهم حتّى آخر يوم قبل السابع من أكتوبر، ومع بداية العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر، بدأت سلطات الاحتلال وإدارة سجونها، بتضييق الخناق والانتقام من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، ورغم كل التضيقات التي أجرتها سلطات الاحتلال بحق الأسرى منذ استلام الحكومة الجديدة، إلا أن القمع والتوحش قد بلغ ذروته منذ السابع من أكتوبر، حيث بدأ الاحتلال بقمع الأسرى وتعذيبهم، وسجلت العشرات من الإصابات بين صفوف الأسرى والأسيرات الذين تعرضوا للاعتداء من قبل وحدات القمع، وتنوعت سبل التنكيل منذ ذلك التاريخ بين تعطيش وتجويع بالإضافة إلى سحب كل مستلزمات الحياة الأساسية والإبقاء على الحد الأدنى منها، وعزلتهم عن العالم الخارجي لغاية اليوم، وقامت بزّج العشرات من المعتقلين في غرف صغيرة لا تتسع لهذه الأعداد، ومع دخول فصل الشتاء والبرد القارس اشتدت داخل السّجون، وتركزت عمليات التّعذيب والتّنكيل في سجن (النقب) الذي كان شاهدًا على عمليات التعذيب والتنكيل، وكذلك سجون (جلبوع، مجدو، وعوفر)، ومنعت قوات الاحتلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تنفيذ اي زيارة للسجون بالتزامن مع إيقاف الزيارات العائلية بشكل مطلق.
الإضراب عن الطعام: الشهيد خضر عدنان عنوانًا لجريمة اغتيال نفّذت لمواجهة تجربة الإضراب عن الطعام
شكّل الإضراب عن الطعام (الإضرابات الفردية)، أبرز الوسائل النضالية التي واصل الأسرى والمعتقلون استخدامها لمواجهة سياسات الاحتلال داخل السّجون، وكان الإضراب ضد جريمة الاعتقال الإداريّ، الأبرز حيث نفّذ العديد من الأسرى إضرابات عن الطعام، انتهت غالبيتها بوعود لتحديد سقف الاعتقال الإداريّ.
وكانت قضية المعتقل خضر عدنان أبرز الأسرى الذين واجهوا الاحتلال بالإضراب عن الطعام منذ أكثر من 12 عامًا، القضية التي فرضت تحوّلا كبيرًا على قضية الإضراب عن الطعام، وذلك بتنفيذ الاحتلال جريمة اغتيال بحقّه وعن سبق إصرار، وذلك بإهماله وتركه في زنزانته مضربًا عن الطعام لمدة 86 يومًا ضد اعتقاله التعسفي، حيث اعتقل ووجهت له تهمًا، قابلها بالرفض وعدم الاعتراف بها، لقد حملت هذه القضية بكافة تفاصيلها، تحوّلات كبيرة إذ أنّ الاحتلال ومحاكمه التي تشكل الذرائع الأساس لأجهزة الاحتلال (الأمنية)، قد اتخذ قرارًا بقتله منذ لحظة اعتقاله إلى أن ارتقى يوم الثاني من أيار/ مايو 2023، ولم يكتف الاحتلال باغتياله بل واصل احتجاز جثمانه.
وكان إضراب المعتقل الإداري كايد الفسفوس من مدينة دورا، من أبرز الإضرابات التي شهدتها الحركة الأسيرة خلال 2023، واستمر فيه لمدة 75 يومًا، رفضًا لاعتقاله الإداريّ، واتخذ الأسير تعليق إضرابه، في ضوء إعلان الاحتلال الحرب، وتصاعد العدوان على شعبنا، حيث بقي محتجزًا ومعزولًا في زنزانته بعد تاريخ السابع من أكتوبر حتى يوم السادس عشر من أكتوبر ولم يكن لديه أي معرفة بما يجري في الخارج، حتى تمكّن المحامي بعد جهود من زيارته، وكان بوضع صحي خطير في سجن (الرملة)، وحتى اليوم يواصل الاحتلال اعتقاله إداريًا.
6 معتقلين استشهدوا داخل السّجون بعد السابع من أكتوبر حتى نهاية عام 2023
قامت إدارة السّجون بعزل العشرات من الأسرى بعد قمعهم والتّنكيل بهم، ومنذ بداية عدوان الاحتلال بحق الأسرى استشهد 6 أسرى داخل سجون الاحتلال، وتعمدت إدارة السّجون عدم نشر أية تفاصيل تشير إلى ظروف ارتقائهم، كان أولهم الشهيد عمر دراغمة الذي ارتقى بتاري خ 23/10/2023، والشهيد عرفات حمدان ارتقى بتاريخ 24/10/2023، والشهيد ماجد زقول والذي أعلن عن ارتقائه بتاريخ 6/11/2023، والشهيد عبد الرحمن مرعي والذي ارتقى بتاريخ 13/11/2023، وكان آخر الشهداء ثائر أبو عصب والذي ارتقى بتاريخ 18/11/2023، ولغاية الآن ما زالت إدارة السجون تُخفي اسم أحد المعتقلين الشهداء، حيث اكتفت بنشر أنه من قطاع غزة.
من الجدير بالذكر أن سلطات الاحتلال قامت بتشريح جثمان الشهيد عبد الرحمن مرعي بعد نحو 10 أيام من ارتقائه بحضور طبيب من منظمة أطباء بلا حدود حسب طلب عائلته، حيث أكدت التقارير الطبية الصادرة عن التشريح ظهور كدمات وعلامات ضرب على صدره ومختلف أنحاء جسده، إضافة إلى رواية العديد من الأسرى المحررين الذين كانوا مع الشهيد مرعي في نفس القسم حين تم الاعتداء عليهم، وكذلك جريمة اغتيال الشهيد ثائر ابو عصب، ففي ضوء مجموعة من الشهادات التي تمكّنت المؤسسات من الحصول عليها من أسرى أفرج عنهم من سجن (النقب الصحراوي)، أكدوا على جريمة إعدام الشهيد ثائر أبو عصب من قلقيلية بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وتعذيبه، وتركه دون علاج، إلى أنّ استشهد في تاريخ 18/11/2023، وقد جرى فتح تحقيق في حادثة اغتياله مع تصاعد هذه الشهادات، علمًا أنّ تحقيقات تجري في ظروف استشهاد مجموعة من الشهداء الذين ارتقوا بعد السابع من أكتوبر.
تصاعد الجرائم الطبيّة بحقّ الأسرى المرضى والجرحى
لم تتوقف إدارة سجون الاحتلال عن تنفيذ جرائم طبيّة بحقّ الأسرى المرضى، من خلال المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهم، والتي تشكّل أبرز أدوات هذه الجريمة، عدا عن احتجاز المرضى في ظروف لا تناسب أوضاعهم الصحيّة، وشكّلت الجرائم الطبيّة على مدار السنوات الماضية أبرز الجرائم التي أدت إلى استشهاد أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، إلا أنّه وبعد السابع من أكتوبر وكما كل الجرائم الثابتة التي انتهجها الاحتلال على مدار عقود طويلة، فقد صعّد من الجرائم الطبيّة، واتخذت هذه الجريمة عدة مستويات بعد السابع من أكتوبر منها: توقف إدارة السّجون عن نقل الأسرى المرضى الذين يحتاجون إلى متابعة حثيثة، كما توقفت عن نقل الأسرى إلى المستشفيات، وحرمتهم من الخروج حتى إلى (عيادة السجن)، وتعمدت بعدم تقديم العلاج للمئات من الأسرى والمعتقلين الذي تعرضوا لعمليات تنكيل وتعذيب، وتركتهم دون أي علاج، رغم إصاباتهم، وهذا ما عكسته عشرات الشهادات لمعتقلين أفرج عنهم، وتعرض العديد من المرضى لعمليات قمع ونقل وتنكيل، وضيّقت إدارة السجون على عمل الطواقم القانونية بشكل مضاعف، في متابعة العديد من الملفات الطبيّة الخاصة بأسرى مرضى بأمراض مزمنة، وتمت مصادرة أجهزة طبيّة من بعض الأسرى، كالنظارات والعكازات، وفي ضوء هذه المعطيات فإن أعداد الأسرى المرضى والجرحى تتصاعد مع عمليات التنكيل والتعذيب المستمرة، إلى جانب سياسة التجويع التي ألقت بثقلها على واقع الحياة الاعتقالية للأسرى.
دفعات التبادل التي تمت خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
في أطار اتفاق التهدئة الذي تم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2023، تم الإفراج عن 240 أسيرة وفتى من سجون الاحتلال الإسرائيليّ، كان من بينهم (71) أسيرة، و(169) فتى، وشملت هذه الدفعات أسيرات من ذوي المحكومات العالية كانت أبرزهم الأسيرة إسراء جعابيص، وشروق دويات، ومرح باكير، وفدوى حماده، وأماني الحشيم وجميعهن من المحكومات العالية، وهن من القدس، كانت النسبة الأعلى للإفراجات في القدس، وعدد الموقوفين (162)، والإداريين (39)، والمحكومين (39).
مطالب المؤسسات:
في ضوء كثافة الجرائم المتصاعدة والإبادة المستمرة في غزة، فإننا نطالب الدول السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف بضرورة الضغط على دولة الاحتلال لوقف عدوانها بحق الأسرى الفلسطينيين.
كما ونطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة ومستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ تاريخ السابع من أكتوبر، والضغط في سبيل وقف جريمة الاعتقال الإداري المتصاعدة.
وتوجه مؤسسات الأسرى مطالباتها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتحمل مسؤولياتها باعتبارها الجهة الدولية المخولة بالاطلاع على وضع المعتقلين الفلسطينيين وزيارتهم في أماكن احتجازهم وإبلاغ عائلاتهم بمكان تواجدهم وظروف اعتقالهم، إضافة إلى زيارة السجون للاطلاع على وضع الأسرى بعد الانتهاكات التي طالتهم.
وأخيرًا فإننا نؤكد مطالبنا كذلك لكل الأحرار الذي خرجوا في الميادين في العالم تأييدًا للحق الفلسطيني، ورفضًا لجرائم الاحتلال، أن يواصلوا دعمهم للحق الفلسطيني، في سبيل تقرير مصيره.
(انتهى)