يصادف 29 نوفمبر اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو فرصة لالقاء الضوء على نضال الشعب الفلسطيني المستمر من أجل العدالة والحرية والكرامة، وإبراز الجرائم الممنهجة التي ترتكب بحقه. وفي هذا العام، يكتسب هذا اليوم أهمية أكبر في ظل أعنف إبادة جماعية مستمرة تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن عام، مما يبرز الفشل في تطبيق نصوص القانون الدولي، ويظهر حقيقة أن العديد من الدول ما زالت تسمح لـ دولة الاحتلال، بارتكاب جرائمها البشعة ضد الفلسطينيين دون عقاب أو مساءلة.  

ويعد الأسرى الفلسطينيون رمزاً للصمود والتضحية والتطلع نحو الحرية والتحرر من الاحتلال، وهي جوهر حركة التحرر الفلسطيني. وتشكل عمليات الاعتقال الجماعي للفلسطينيين أداة من أدوات الاحتلال لقمع الشعب الفلسطيني واحكام السيطرة عليه، في انتهاك لحقه في تقرير المصير. 

ومنذ عام 1948، اعتقلت سلطات الاحتلال أكثر من 900,000 فلسطيني، وهو رقم يمثل شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، ويُعد استخدام الاعتقال الإداري—حيث يُحتجز الأفراد دون توجيه تهم أو ضمانات محكامة عادلة ولا سقف اعتقالي محدد—مثالًا واضحًا على كيفية استخدام الاعتقال كأداة لإسكات الفلسطينيين وترهيبهم.  

يمثل الأسرى الفلسطينيين كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك الرجال والأطفال والسياسيون والأكاديميون والنشطاد والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث ينظر إليهم كقادة سياسيون وفكريون في حركة التحرر الفلسطينية، إذ أنهم يجسدون من خلال مواقفهم تطلعات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والانعتاق من الاحتلال، وتأتي تضحيات من استشهدوا نتيجة الإهمال أو التعذيب أو سوء المعاملة أثناء الاعتقال لتعزز من صمود الشعب الفلسطيني، وتسلط الضوء على التكلفة الباهظة التي يدفعها الفلسطينيين خلال نضالهم من أجل التحرر.  

ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية بعد السابع من أكتوبر 2023، شهد عدد الأسرى زيادة كبيرة جدًا وغير مسبوقة، إذ لم تستثنِ حملات الاعتقالات الواسعة النساء والأطفال وكبار السن، ويتعرض هؤلاء جميعًا لتعذيب مستمر بكل أشكاله الجسدية والنفسية، كما أنهم يعانون من ظروف اعتقال قاسية وغير إنسانية، بالإضافة إلى الإهمال الطبي، عدا عن الانتهاكات اليومية المستمرة والتي لا يمكن حصرها، ويأتي هذا كله كوسيلة لمعاقبة الشعب الفلسطيني  بشكل جماعي على مواجهة الاحتلال.  

إن الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية له تداعيات هامة على الأسرى الفلسطينيين، حيث أن معظم السجون التابعة لدولة الاحتلال والتي يُحتجز بها الأسرى الفلسطينيين تقع داخل أراضيها، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، في حين أن المنظمات الحقوقية يمكنها استخدام رأي محكمة العدل الدولية للمطالبة بأن تلتزم دولة الاحتلال بالقانون الدولي، ليس فقط في سياق الاحتلال بحد ذاته، بل وتحديدًا في ما يتعلق بمعاملة الأسرى وتحديد أماكن اعتقالهم، وعلى ضوء ذلك فقد حان الوقت لتفكيك السجون بشكل كامل، وتفكيك النظام اللقضائي العسكري والمحاكم العسكرية التي تنتهك ضمانات المحاكمة العادلة وتنتهج سياسات عنصرية تستهدف الشعب الفلسطيني. كما وحان الوقت ليتم مساءلة دولة الاحتلال وسلطاتها عن جرائمها وملاحقتها، حتى يرى العالم أن القانون الدولي، مع آلياته وهيئاته، لم يخفق في حماية الضحايا الفلسطينيين.  

لقد كان هذا العام هو الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في غزة تحت الإبادة الجماعية المستمرة والوحشية، وللفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية والقدس المحتلة، فقد ارتكبت سلطات الاحتلال إضافة إلى المستوطنين غير الشرعيين جرائم قاسية جدًا، ونفذوا العديد من الهجمات ضد الفلسطينيين في كل الأرض المحتلة، وهؤلاء المستوطنين غير الشرعيين لا يُحاكمون أو يُعاقبون على جرائمهم، بما في ذلك قتل الفلسطينيين، ولا يخضعون لنظام المحاكم العسكرية، على عكس الفلسطينيين الذين يتم محاكمتهم حتى على المخالفات البسيطة، مثل مخالفات المرور في الأراضي المحتلة عام 1967. 

وقد شهد هذا العام أيضًا أعلى عدد من الشهداء بين الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، حيث وصل العدد حتى اليوم إلى 45 أسيراً شهيداً من غزة، الضفة الغربية، والقدس، ولا يشمل هذا العدد جميع المعتقلين من قطاع غزة، حيث لا يزال الاحتلال يخفي البيانات الحقيقية والموثوقة المتعلقة بالمعتقلين من غزة، ويعرضهم للاختفاء القسري، وعلى ضوء ذلك من المهم أن نذكر أنه لم يُحاسب أي من مرتكبي هذه الجرائم ضد هؤلاء الـ45 معتقلاً خلال العام الماضي، وكما يٌظهر التاريخ، فإن 99% من التحقيقات التي تدعي دولة الاحتلال فتحها حول الجرائم المرتكبة ضد المعتقلين الفلسطينيين تغلق دون اتخاذ أي إجراءات أو محاسبة بحجة "عدم وجود أدلة كافية".  

وكانت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت يوم الخميس 21 نوفمبر 2024، بالإجماع قرارين برفض طعون إسرائيل، وأصدرت مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير "الأمن" الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، حيث يبعث هذا القرار برسالة واضحة إلى الضحايا والناجين من الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي مفادها أنه في حين خذل القانون الدولي ومؤسساته الضحايا الفلسطينيين لعقود من الزمن، فإن هذا القرار قد يوفر فرصة لإثبات أن القانون الدولي متمسك بالتزامه الأساسي، وأن حياة جميع البشر لها قيمة متساوية، وهو بارقة أمل لتحقيق العدالة الدولية للشعب الفلسطيني.  

ومع ذلك، فإن العديد من الجرائم التي ارتكبها نتنياهو وغالانت، ولا سيما الجرائم المرتكبة بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، لم يتم ذكرها من قبل المحكمة، الأمر الذي يعزز من دائرة الإفلات من العقاب، ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، تم اعتقال أكثر من 11800 فلسطيني، وارتفع عدد المعتقلين الفلسطينيين من أكثر من 5000 إلى 10100.    

من خلال سنوات طويلة من توثيق الانتهاكات التي ترتكبها مصلحة السجون الإسرائيلية بحق الأسرى، يجب التأكيد أن جرائم التعذيب والتجويع والإهمال الطبي وغيرها من أشكال المعاملة المهينة التي يتعرض لها المعتقلون قائمة منذ إنشاء أول سجن من قبل دولة الاحتلال، وليس فقط منذ السابع من أكتوبر، ويجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تدرج في تحقيقاتها الجرائم ذات الصلة باختصاص المحكمة، بما في ذلك جريمة الفصل العنصري، التي ارتكبت في جميع أنحاء فلسطين المحتلة منذ 13 يونيو/حزيران 2014.  

  

لقد حان الوقت للمحكمة الجنائية الدولية أن تصدر مذكرات توقيف بحق وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، عضو الكنيست ووزير الحرب السابق بني غانتس، رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ، مدير إدارة مصلحة السجون السابقة كاثي بيري، ومدير إدارة مصلحة السجون الحالي رونين بار، بالإضافة إلى جميع مدراء السجون ومراكز الاحتجاز وجميع المسؤولين ذوي الرتب الأدنى في قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويجب على الدول فرض عقوبات دبلوماسية، والدعوة إلى فرض عقوبات من خلال الأمم المتحدة، ومقاطعة دولة الاحتلال، وفرض حظر عسكري من خلال تطبيق الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية من أجل إنهاء الاحتلال، وتقع على عاتق الدول مسؤولية ضمان محاسبة دولة الاحتلال على انتهاكاتها، والاعتراف الكامل بالحقوق الفلسطينية – بما في ذلك الحق في تقرير المصير والحماية من الاعتقال غير القانوني – ودعمها.  

ومن هذا المنطلق، يجب على شعوب العالم الحرة أن تستمر في مقاطعة دولة الاحتلال في جميع القطاعات - اقتصاديًا وأكاديميًا وثقافيًا - مع محاسبة حكوماتها على تواطؤها في تمكين الاحتلال، بما يشمل المطالبة بالشفافية وإنهاء صفقات الأسلحة والاتفاقيات التجارية والتحالفات السياسية والتعاون العسكري.   

نطالب بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى السياسيين الفلسطينيين، فاحتجازهم يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ونطالب كذلك بالتفكيك الكامل لنظام المحاكم العسكرية غير الشرعية، وكل ما يرتبط بها، حيث أن هذه المحاكم التي تفتقر إلى أدنى معايير العدالة أو الشرعية، تُستخدم كأداة لتجريم كل عمل نضالي فلسطيني، وتنتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتستمر في تنفيذ أهداف الاحتلال لقمع الشعب الفلسطيني والسيطرة عليه.