تابع مجلس منظمات حقوق الإنسان اعتداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالقوة على التجمع السلمي الذي جرى أمام مجمع المحاكم في منطقة البالوع بمدينة البيرة ظهر يوم الأحد الموافق 12/3/201، الذي نُظم احتجاجاً على جلسة المحاكمة التي جرت ذات اليوم أمام محكمة صلح رام الله للشهيد باسل محمود إبراهيم الأعرج[1] وكل من هيثم عبد الناصر أحمد اسياج ومحمد عبد الله محمد حرب ومحمد حسين علي السلامين وعلي داود أحمد دار الشيخ وسيف سامر سهيل الإدريسي، بتهمة حيازة سلاح بدون ترخيص، أربعة منهم معتقلين لدى سلطات الاحتلال.
ووفقاً للتوثيقات الميدانية التي أجرتها المنظمات الأعضاء في المجلس، فقد شارك في بداية التجمع السلمي الذي دعا إليه نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بضعة أشخاص، تمركزوا على الرصيف المقابل لمجمع المحاكم، وأطلقوا شعارات احتجاجاً على جلسة المحاكمة المذكورة وتنديداً بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وهتفوا باسم الشهيد باسل الأعرج ورفعوا صوره. وعند الساعة 12:00 ظهراً ارتفعت أعداد المشاركين لتصل إلى العشرات.
حضرت إلى المكان، حوالي الساعة 12:15 ظهراً، عناصر من الشرطة بالزي الرسمي والشرطة الخاصة (مكافحة الشغب) يحملون الدروع والهراوات إضافة إلى عناصر مختلفة من الأجهزة الأمنية، واقترب بعض عناصر الشرطة من المشاركين وطالبوهم بفض التجمع وإلا فإنه سيتم فضه بالقوة. بعدها مباشرة قام عناصر الشرطة الخاصة باختراق صفوف المشاركين والاحتكاك بهم ودفعهم إلى الخلف بواسطة الدروع البلاستيكية. تبعه قيام الشرطة الخاصة بالاعتداء عليهم بالضرب بالهراوات، وإلقاء قنابل صوتية وسط المشاركين، ورش غاز الفلفل على عدد منهم، وملاحقتهم وفض التجمع السلمي، أدى هذا الاعتداء إلى إصابة (16) من المشاركين والمشاركات؛ من بينهم والد الشهيد باسل الأعرج والشيخ خضر عدنان والصحفي حافظ أبو صبرة والصحفي أحمد ملحم والمحامي فريد الأطرش، والتعرُض للصحفي جهاد بركات وكسر كاميرا التصوير ما أدى إلى وقف بث قناة فلسطين اليوم. نُقلت (4) حالات من بين المصابين إلى مجمع فلسطين الطبي وحالة واحدة إلى مستشفى المستقبل للعلاج، واُعتقل (6) أشخاص من المشاركين من بينهم الشيخ خضر عدنان وهادي الطرشة وسهيل الإدريسي ونقلوا إلى مقر المباحث الجنائية في البالوع؛ ومكثوا مدة ساعة تقريباً، ثم جرى إخلاء سبيلهم بعد تسجيل بياناتهم الشخصية.
تأتي تلك الاعتداءات، في ظل تدهور خطير في حالة الحقوق والحريات العامة على المستوى الداخلي؛ تمثلت بارتفاع حالات التعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز التابعة للأجهزة الأمنية وبأشكال مختلفة، وبخاصة من قبل اللجنة الأمنية المشتركة بمركز احتجاز أريحا، وفي مراكز احتجاز تابعة لعدد من الأجهزة الأمنية التي تمتلك صفة الضبط القضائي. علاوة على الاعتقالات التعسفية المستمرة وبخاصة التي تجري على ذمة المحافظين خلافاً للقانون، وانتهاكات ضمانات المحاكمة العادلة، وانتهاكات حرية الرأي والتعبير، وامتناع الأجهزة الأمنية عن تنفيذ قرارات قضائية بالإفراج عن موقوفين لديها. إضافة إلى تدخلات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في أنشطة الشركات غير الربحية والمنظمات الأهلية، وغيرها من الانتهاكات التي جرى توثيقها من قبل أعضاء مجلس المنظمات وتصاعدت بشكل ملحوظ منذ بداية العام 2017.
تصاعد تلك الانتهاكات يدلل بوضوح على مدى التدهور المستمر الحاصل في حالة حقوق الإنسان، والتي ما زالت تجري في ظل غياب المساءلة والمحاسبة في مواجهة مرتكبي تلك الجرائم رغم المتابعات والتواصل بشأنها مع الجهات المختصة للوقوف عند مسؤولياتهم، والبلاغات الجزائية التي قدمت للنيابة العامة للتحقيق بعدد من تلك الجرائم وملاحقة مرتكبيها. هنالك مؤشرات جدية على أن بعض تلك الجرائم بدأت تأخذ طابعاً ممنهجاً على الأرض وبخاصة في ظل غياب المساءلة والمحاسبة وسبل الانتصاف.
وعليه، فإن مجلس المنظمات وإذ يحذر من تبعات استمرار التدهور الخطير الحاصل في مختلف الحقوق والحريات، وما يؤدي إليه من شعور بفقدان للثقة بسيادة القانون ومفهوم المساءلة والمحاسبة وبدور قطاع العدالة في حماية حقوق الإنسان، فإن مجلس المنظمات:
أولاً: يحمل السلطة التنفيذية مسؤولية التدهور الخطير في حالة الحقوق والحريات العامة، ويطالب الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء وزير الداخلية د. رامي الحمد الله بإصدار تعليمات علنية واضحة بوقف تغول الأجهزة الأمنية على الحياة المدنية، واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والالتزام بمدونات سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والعمل الجاد لضمان محاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات وإنصاف الضحايا.
ثانياً: يطالب بفتح تحقيق جزائي فوري وفعّال بالانتهاكات التي اقترفت خلال اعتداء الأجهزة الأمنية على المسيرة السلمية التي جرت أمام مجمع المحاكم، وإحالة كل من يثبت تورطه فيها للقضاء وإنصاف الضحايا.
ثالثاً: يؤكد بأن قيام مشاركين في تجمعات سلمية بالتواجد في شارع عام للتعبير عن احتجاجهم السلمي، وعدم إرسال إشعار (غايته تنظيمية بحتة) وفقاً لقانون الاجتماعات العامة، لا يُحيل التجمع السلمي إلى تجمهر غير مشروع بمفهومه الوارد في قانون العقوبات، ولا يبرر إطلاقاً استخدام القوة المفرطة في التعامل معهم، خلافاً للمعايير الدولية والأصول القانونية وقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
رابعاً: يحذر من تبعات استمرار غياب المساءلة والمحاسبة والإنصاف في مواجهة حالة التدهور الخطيرة والانتهاكات المستمرة للحقوق والحريات العامة، بما يؤدي إلى خلق حالة من الاحتقان المجتمعي و اليأس وفقدان الأمل تنذر بتهديد جدي للأمن والسلم الأهلي، وقد تؤدي في ظل استمرارها وغياب المحاسبة إلى عواقب وخيمة ونتائج كارثية في المشهد العام برمته، وإلى خلط الأوراق من قبل سلطات الاحتلال للمزيد من تأزيم الوضع الداخلي، على حساب تركيز الجهد الوطني في مواجهة جرائم الاحتلال من منطلق الحق الكامل للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والدفاع عن حقوقه غير القابلة للتصرف بكافة الأشكال المكفولة في القانون الدولي.
[1] استشهد باسل الأعرج على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة البيرة بتاريخ 6/3/2017.