ينظر مجلس منظمات حقوق الإنسان، بقلق بالغ، للبيان الصحفي الصادر عن الشرطة الفلسطينية يوم السبت الماضي الموافق 17/08/2019 بشأن منع أيّ نشاط لتجمع "القوس" والإبلاغ عن أيّ شخص له علاقة بهذا التجمع، وما نجم عنه من ردود أفعال مجتمعية حادة، طالت حقوق الإنسان، التي لا تتجزأ، وخلقت أجواءً مُجتمعية سلبية انطوت على تحريض على العُنف وشكّلت تهديداً للحق في الحياة والسلامة الجسدية كحقوق أصيلة لكلّ إنسان دون تمييز.
يأتي بيان الشرطة، في سياق مؤشرات مؤسسات المجتمع المدني التي تُشير إلى ازدياد ملحوظ في وتيرة العنف والجريمة داخل المجتمع الفلسطيني، بفعل عوامل عديدة أبرزها؛ الانتهاكات الممنهجة من قبل سلطات الاحتلال، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وازدياد معدلات الفقر والبطالة، وحالة الإحباط العام وبخاصة في أوساط الشباب الفلسطيني.
على إثر هذا البيان، ورغم مخالفته أحكام القانون الأساسي المعدل والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات، من أوجه عديدة؛ شملت خصائص منظومة حقوق الإنسان وعالميتها التي لا تقبل التجزئة، ومبدأ المساواة وعدم التمييز، والمهام والمسؤوليات الدستورية والقانونية للشرطة الفلسطينية في إنفاذ القانون وسيادته، وتحقيق الأمن والحماية والرعاية، للمواطنين جميعاً، وعلى حد سواء، في احترام كامل للحقوق والحريات. ورغم قيام الشرطة الفلسطينية لاحقاً، بأداء مسؤول، تَمثّل في سحب البيان الصادر عنها، إلاّ أن التفاعلات والارتدادات الخطيرة، التي رافقت صدور البيان، شكّلت تهديداً جدّياً على أفراد تجمع القوس وتحريضاً على العنف، وصل حد التحريض على القتل، بما يشكل انتهاكاً خطيراً للحقوق والحريات والتزامات دولة فلسطين.
الأمر الذي يتطلب، من الجهات الرسمية المختصة كافة، وجهات إنفاذ القانون، معالجات جادّة قائمة على الحوار الحضاري المجتمعي، المُنفتح، المبني على الحقوق، وتحفيز النقاش المجتمعي في مختلف القضايا الحقوقية، وبالقدر ذاته، الحرص دوماً على أمن وسلامة جميع المواطنين، دون تمييز، وإعمال سيادة القانون، وحماية وصون الحقوق والحريات.
يساور مجلس المنظمات، قلقٌ بالغٌ، بأن دولة فلسطين تنتهك التزاماتها باحترام مبدأ المساواة وعدم التمييز، ويشمل ذلك تطبيق حماية معاهدات حقوق الإنسان على جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها دون تمييز من أيّ نوع، بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النَسَب أو غير ذلك من الأسباب. ومن الأهمية بمكان، التأكيد، على أن الالتزامات العامة بعدم التمييز في مجال حقوق الإنسان تشكل جوهر الحماية الأساسية للحقوق، وهي مُلزمة للسلطات العامة في الدولة؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتبعاً لذلك، ينبغي على الشرطة الفلسطينية المُلزمَة بواجب عدم التمييز، محلياً ودولياً، ألاّ تفشلَ في أداء واجبها في حماية حقوق جميع المواطنين، وألاّ تُمارس أيّ أنشطة من شأنها أن تؤدي، بشكل أو بآخر، إلى خلق أجواء من التحريض والكراهية والتمييز، على أيّ نحو كان، بما يشمل التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية، وأن تحرص دوماً على حماية الأشخاص من أيّ اعتداء على هذا الأساس، تحت طائلة المسؤولية والعقاب، وأن تراعي في أدائها وأنشطتها كافة مدونة سلوك وأخلاقيات مُنتسبي الشرطة الفلسطينية ومدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1979 بتوطيد واحترام حقوق الإنسان.
إنَّ مجلس المنظمات، وإذ يستنكر تهديدات القتل التي صدرت عن أشخاص إثر صدور بيان الشرطة، فإنه يُذكّر بما أكد عليه خبراءُ حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنه يتعين على الدول الوفاء بالتزامها بتوفير مساحة مواتية للحق في حرية التعبير لجميع الأفراد، وأنه يتوجب على الدول التصدي لخطاب الكراهية الذي يُدلي به الموظفون العموميون والسياسيون، ليس فقط من خلال التدابير الإدارية، ولكن أيضاً من خلال تشجيع الشخصيات العامة على التحدث ضد الكراهية والتعصب. وأنه في سياق السعي إلى اجتناب خطاب الحض على الكراهية والعنف يوجد هنالك حافز رئيسي ألا وهو الحضور المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي واستجابتها في مجال احترام منظومة حقوق الإنسان.
إنَّ مجلس المنظمات، وإذ يؤكد عزمه على القيام بواجبه في توثيق ومتابعة أيّ انتهاك على هذا الصعيد وفقاً للأصول والقانون والاتفاقيات الدولية، فإنه يُطالب جهاز الشرطة الفلسطينية والنيابة العامة بفتح تحقيقات جزائية فعّالة في أية اعتداءات تُرتكب قائمة على التمييز أياً كان نوعه، ومساءلة القائمين على نشر البيان المذكور لمخالفته أحكام القانون الأساسي والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة والاتفاقيات الدولية، وضمان عدم التكرار. ويُجدد المجلس، مطالبة الجهات الرسمية والشرطة المدنية الفلسطينية، بالانفتاح على الحوار المجتمعي، المبني على الحقوق، والحرص على توسيع الحوار ليشمل مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني، وتحفيز النقاش المجتمعي الحضاري الجاد في مختلف القضايا الحقوقية، بما يحفظ حقوق الجميع، ويصون سيادة القانون، ومبادئ حقوق الإنسان، التي لا تتجزأ، ويحترم الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين والمعايير الدولية التي تحمي وتصون منظومة حقوق الإنسان.
انتهى