يستّمر الاحتلال في استخدام سياساته المجحفة المتمثلّة في ممارسة الإهمال الطبيّ المتعمّد تجاه الأسرى المصابين والمرضى للفتك بهم، وانتهاك حقّهم في تلقّي رعاية طبيّة وصحيّة خلال فترة وجودهم في سجون الاحتلال وما بعد خروجهم، إذ تبدأ رحلة الأسير مع الإهمال الطبيّ المُتحمل منذ لحظة الاعتقال، وتنتهي باحتماليّة إصابته بأمراض جديدة أو تدهور حالته الصحيّة إن كان مريضاً، نتيجة للتحقيق والتعذيب وتعرضّهم لإصابات لحظة الاعتقال، بالإضافة الى تهرّب مصلحة السجون من مهامها تجاه الأسرى من توفير احتياجاتهم ومستلزماتهم الصحيّة.
وتستهدف سلطات الاحتلال الأطفال في محاولةٍ للنيل من جيل كامل من خلال التعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة، وسياسات الترهيب والعقوبات القاسيّة التي تؤدي الى حرمانهم من ممارسة حياتهم والنموّ في ظروف لائقة، فالأساليب التي يستخدمها قوات الاحتلال مع الأطفال في الاعتقال والتحقيق تنتهك كافّة المعايير الدوليّة التي أُقرّت ضمن اتفاقية حقوق الطفل. وبلغ عدد الأسرى الأطفال حتى نهاية شهر تشرين الأول ١٧٠ طفلاً، ويحتجز الاحتلال حالياً هؤلاء الأطفال في ثلاثة سجون رئيسيّة: عوفر، مجدّو والدامون.
سوء معاملة وتعذيب يؤدي الى إهمال طبيّ تجاه الأطفال
وثقّت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان حالات اعتقال لأطفال خلال الشهرين الماضيين، وكان هؤلاء الأطفال يعانون من أمراضٍ و/أو إصابات قبل اعتقالهم، وتدهورت حالتهم الصحيّة نتيجة لممارسات قوات الاحتلال أثناء اعتقالهم واحتجازهم، وتعذيبهم في التحقيق.
تعمد قوات الاحتلال أثناء عمليّة الاعتقال الى التنكيل بالمعتقل، فقد اعتقلت الطفل (س.ج) البالغ من العمر ١٥ عاماً، علماً أنه أجرى عمليّة فُتق قبل أسبوعٍ من اعتقاله، وعمدت الى تكبيل يديه للخلف بلكبشات بلاستيكيّة وأجبرته على الجري لمسافة ٥ متر في حين أنّه يستطيع المشي، كما اعتدى الجنود عليه بالضرب على مكان العمليّة بأقدامهم حتى أغمي عليه، وتركوه مرمياً ومكبّلاً في العراء حوالي ٣٠ ساعة، تم نقله بعدها الى المشفى لمعالجة الجروح الناتجة عن ضرب الجنود له على مكان العمليّة ممّا أدى الى حدوث التواءٍ في قُطَبِ الجرح.
قضى (س.ج) مدّة التحقيق في الزنازين ١٦يوماً في مركز تحقيق المسكوبيّة، كانت الزنزانة باردة جداً، وبدون شباك، علماً بأنّ لديه ضيق في التنفّس. وخلال فترة تواجده في المسكوبيّة، دخل ضابط غرفتهم (هو والأشبال)، وضربه على مكان العمليّة، وبعد هذا الاعتداء بأربعة أيام قرّر الطبيب فكّ القطب في عيادة المسكوبيّة.
بينما اعتدت قوات الاحتلال بالضرب المبرح على الطفل (س.أ) البالغ من العمر ١٧ عاماً عند اعتقاله، وتعمّد الجنود ضربه على ظهره بعدما أخبرهم بأنّه أجرى عمليّة زراعة عظم في الحوض قبل ٥ سنوات، ضربوه بأقدامهم وبأعقاب البنادق، وقام جنديّ بالضغط على ظهره الى الأمام حتى لم يستطع التنفّس بسبب الألم. لا زال الطفل (س.أ) يعاني آلاماً في الظهر، نتيجة لجلوسه المستمّر على كرسيّ التحقيق في المسكوبيّة، إذ كان التحقيق يستّمر لمّدة ٥-٦ ساعاتٍ متواصلة.
كما اعُتقَل الطفل (أ.ن) البالغ من العمر ١٦ عاماً رغم إصابته بمرضٍ نادر يُدعى الوهن العضليّ الشديد، وهو مرض يستدعي رعاية وعناية خاصّة بالمريض، إلّا أن الجنود قيّدوه واعتدوّا عليه بالضرب أثناء عملية الاعتقال. ويعاني الطفل (أ.ن) من ضيقٍ في التنفس، ووجعٍ في الرأس، إضافةً الى عدم قدرته على تحريك يديه بعد الاستيقاظ من النوم إلّا بعد تناول الدواء. ويذكر أن الطفل أجرى عمليّة إزالة كتلة سرطانيّة حميدة في الصدر قبل ٥ أشهر، وكان يُراجعُ طبيبه بانتظام، ورغم معرفتهم بكلّ ذلك، تم اعتقاله والاعتداء عليه بالضرب دون مراعاةٍ لوضعه الصحيّ.
روى محامي مؤسسة الضمير عن الطفل (م.ع) البالغ من العمر ١٧ عاماً، أنّه تعّرض لتحقيق مستمّر ل١٠ ساعات متواصلة، وأحياناً تمّ التحقيق معه ل ٣-٤ ساعات أكثر من مرّة في اليوم، وتعّرض لعّدة تهديدات من المحققين، وكان يُترك لفتراتٍ طويلة معزولاً في زنزانة منفردة بعد التحقيق ممّا عرّضه لضغوط نفسيّة.
فيما أصرّت قوات الاحتلال على اعتقال الطفل (أ.ع) البالغ من العمر ١٧ عاماً رغم إصابته برصاصةٍ في قدمه، واقتحمت منزله عدّة مراتٍ لاعتقاله، حتى سلمّه والده لشرطة "بيت إيل"، وأبلغوه بأن طفله معتقل.
تجدر الإشارة الى أن الأطفال الذين وثقّت المؤسسة حالاتهم ما زالوا موقوفين في سجون الاحتلال عدا الطفل (أ.ع)، إذ تمّ الإفراج عنه بعد ٣٠ يوماً من التوقيف لاحقاً تم الاكتفاء بالمدّة إضافةً الى دفع غرامة بقيمة ١٠٠٠ شيقل كحكم.
وتستمّر معاناة الأطفال ما بعد الاعتقال والتحقيق وحتى نقلهم الى السجون، حيث أنّ إدارة مصلحة السجون تعمد الى معاملتهم معاملة الأسرى البالغين دون الأخذ بالاعتبار خصوصية ظروفهم، ويتجسّد ذلك في حالات الاقتحام مؤخراً لقسم الأشبال في عوفر، كذلك الحال مع العزل الذي عانى منه الأطفال خلال الجائحة الحالية (كوفيد-١٩) حيث حُرِموا من زيارات أهاليهم مدّة طويلة، وانتهكت خصوصيتهم بلقاء محاميهم في المحاكمات عبر خاصيّة الفيديو، ممّا أثّر عليهم جسدياً ونفسياً.
الإهمال الطبيّ تجاه البالغين
زيادة جرعة دواء كادت أن تقتل الأسير أحمد عبيد
يعاني الأسير أحمد عبيد (٣٠) عاماً من مرض "بهجت"، وكان قد أصيب بهذا المرض خلال تواجده بالأسر علماً بأنه معتقل منذ ٧ سنوات، ومحكوم بالسجن لمّدة ٩ سنوات.
أجرى عبيد آخر فحص للعينين في ٢٢/٩/٢٠٢٠، ونقلوه لسجن عسقلان نظراً لقربه من المشفى، حيث كان يقبع في سجن ريمون، لكّن الأسير طلب نقله الى ريمون بسبب نسبة الرطوبة العالية في سجن عسقلان، والتي تضّر بصحة عينيه، فعاقبته إدارة مصلحة السجون بنقله للزنازين أسبوعاً كاملاَ. وعمدت الإدارة الى حجره ١٤ يوماً في كلّ مرّة خرج فيها الى المشفى في حين لا يُحّجر من يرافقه الى المشفى (السجانّين).
كانت الإدارة في عسقلان تعطي الأسير عبيد الجرعة التي يجب أن يحصل عليها في الأسبوع، لكنّه عندما عاد الى ريمون، ضاعفت الإدارة جرعة الدواء فحصل على الكميّة التي من المفترض أن يتناولها أسبوعيّاً في يومٍ واحد لأسبوعين متواصلين.
أوقفت الإدارة الدواء نتيجة جفافٍ شديد في الشفاه والفمّ أصابه، وأبلغوه أنّ كبده لم يتضرّر بعد إجراء فحوصات للدم والكبد، علماً بأنهم يجرون له هذا الفحص كلّ شهرين. كلّ ما حصل يؤكد على مدى الإهمال الطبيّ وعدم اكتراث إدارة مصلحة السجون بحياة الأسرى والأسيرات القابعين في سجون الاحتلال.
الجدير بالذكر، أنّه وحسب المؤسسات الحقوقيّة هنالك ٧٠٠ أسير مريض في سجون الاحتلال، إذ يعاني ٣٠٠ منهم أمراضاً مزمنة، إذ يستخدم الاحتلال سياسة الإهمال الطبيّ للنيل من الأسرى الفلسطينيين، والفتك بحيواتهم في انتهاكٍ صارخ لكافّة الأعراف والمواثيق الدولية التي تكفل حق الأسرى بتلقي العلاج اللازم وعدم التعرض للتعذيب والتنكيل.