تُشكّل المحاكم العسكريّة الإسرائيليّة الآلة المحوريّة للنّظام القضائيّ العسكريّ الإسرائيليّ بما توفره من أداةٍ وعنصرٍ أساسيٍّ للاحتلال الإسرائيليّ ونظام الفصل العنصريّ الّذي ينتهجه في الأراضي المحتلّة. تُمعن هذه المحاكم في مُحاكمة الفلسطينيين والفلسطينيات على اختلاف أعمارهم ومشاربهم مُستندةً إلى أوامر عسكريّة يُصدرها القائد العسكريّ الإسرائيليّ في الضّفة الغربيّة. تتسع مروحة هذه الأوامر العسكريّة لتُجرَّم كافّة الحقوق الأساسيّة الفرديّة والجمعيّة للفلسطينيين والفلسطينيات، بما في ذلك حريّتي التّعبير والتّجمّع. في ظلِّ هذا النّظام القضائي العسكريّ العنصريّ، حُوكِم مئات ألوف الفلسطينيات والفلسطينيين وادينوا ضمن إجراءات هزليّة، بمعدّل إدانة يصل إلى 99%، عدا عن ما يتعرّض له المعتقلات والمُعتقلون من ظروف اعتقالٍ وحشيّة، وتعذيب، واحتجازٍ يطول، وانتهاكاتٍ لحقوقهم/ن وكرامتهم/ن.
تُصدر هذه المحاكم العسكريّة كافكاويّة الطابع وصوريّة الطّبع أدانتها بحقِّ الموقوفين/ـات الفلسطينيين/ـات في غضون دقائق في "غرف" مُحاكمة عسكريّة مؤمّنة يُشرف عليها قاضٍ ومدعي عسكريان مستوطنان. وإذ أنّ الإدانة أمرٌ محدد مسبقاً، يسوق الأمل لدى عائلات المعتقلين والمعتقلات لحضور جلسات المحاكمة لرؤية أحبائهم، رغم ما يُغلِّف هذا النّظام إمعانٍ في الإذلال والإهانة بما يفرضه من سيطرة قانونية، وجسدية، ونفسية مطلقة على الفلسطينيين والفلسطينيات.
نسّقت مؤسسة الضّمير ما بين 2017 و2021 44 زيارة لـ273 شخصًا؛ من دبلوماسيين/ـات حكوميين/ـات، وممثلي/ـات منظّمات أهليّة دوليّة، وباحثين/ـات، وطلّاب/ـات، وممثلين/ـات عن الاتحاد الأوروبي والأمّم المتحدّة، من عدّة دولٍ؛ من البَرازيل، وإِيرْلَنْدا، وإِيطاليا، وفلسطين، وجنوب إفريقيا، وإِسبَانيا، وسُويسْرا، والولايات المتحدّة، والمملكة المتحدّة لمعاينة إجراءات المحاكم العسكريّة الإسرائيليّة. على مدار العامين الأخيرين، أدّى تفشي جائحة الحمّى التّاجيّة (كوفيد-19) إلى فرض تدابير تمييزيّة، وقمعيّة، وتعسفيّة، معقدة، بما في ذلك منع حضور الزّوار الخارجيين، والمحامين/ـات، وأفراد الأُسَر وما رافق ذلك من الانتقال إلى جلسات اللّقاءات عبر الفيديو؛ وما نجم عن ذلك من تشديد مقصود لعزلة الأسرى والأسيرات والمعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين.
يهدف هذا الكُتيب الّذي يَضمّ شهادات زوّارٍ سابقين للمحاكم العسكرية إلى التّصدّي للعزل المتزايد وما ينجم عن ذلك اتساع نطاق الإفلات المنهجيّ للاحتلال الإسرائيلي ونظامه العنصري من المساءلة. تُمثّل الشّهادات الّتي يعرضها الكُتيب طيفًا من الأفراد من خلفيات ومشارب مختلفة يصفون لقاءَهم الأوّل مع المحاكم العسكريّة الإسرائيليّة وما قرن ذلك من صدمة جرّاء تباين توقعاتهم والواقع، لا سيّما العنف والإذلال الكامنين في النّظام البيروقراطي الخاصّ بهذه المحاكم وبُنيتها المؤقتة والزّائفة بما في ذلك جلسات النّظر بالقضايا والبتّ بها.
عِلاوة على ذلك، تتجاوز الانتهاكات المنهجيّة للنظام القضائي العسكريّ الإسرائيلي الخروق الجسيمة لمعايير المُحاكمة العادلة، بل لا ينفك أساس هذا النّظام القضائي العسكري، الّذي يعمل بناءً على أوامر الاحتلال العسكريّ الإسرائيلي، عن أن يكون جزءًا لا يتجزّأ من نظام الفصل العنصري الّذي تنتهجه إسرائيل في الأراضي المحتلّة.