كفر قدوم هي قرية فلسطينية تقع على بعد 16 كيلومتر غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، يبلغ عدد سكان القرية حوالي 3700 نسمة، ومساحتها الإجمالية حوالي 20 ألف دونم، كان عدد سكان القرية اكبر في السابق، لكنه انخفض بسبب الهجرة إلى المدن والعقبات التي تفرضها قوات الاحتلال على سكان القرية.

أنشئت مستوطنة كدوميم وهي أحد المستوطنات المجاورة لكفر قدوم عام 1978 على 4 ألاف دونم من أراضي القرية، ووفقاً لتقرير مركز بيتسيلم في تموز 2010 عن القرية: "لقد تم بناء 59 وحدة استيطانية على حساب أراضي قرية كفر قدوم، وتم بناء بنايتين ثابتتين و12 كرفان متنقل على أرض فلسطينية خاصة، وحي جديد يضم 30 كرفان متنقل في غرب مستوطنة كدوميم"[1].

توسعت مستوطنة كدوميم منذ انشائها، وسيطرت على مساحة شاسعة من الاراضي الخاصة بمواطني قرية كفر قدوم لدواعي أمنية حسب ادعاء قوات الاحتلال، يقول منسق وحدة المقاومة الشعبية في قرية كفر قدوم مراد شتيوي أن مواطني قرية كفر قدوم لا يستطيعون الوصول الى حوالي 11 ألف دونم من أرضي قريتهم (معظمها أراضي زراعية) إلا بتصاريح عسكرية من الاحتلال، كما ويقوم المستوطنون بالاعتداء بشكل مستمر على المزارعين في قرية كفر قدوم خلال موسم قطف الزيتون، حيث يقوم المستوطنون بقطع أشجار الزيتون وسرقة محصول الزيتون.

إن اكبر معيق على سكان قرية كفر قدوم هو إغلاق طريقها الرئيسي في عام 2003، ويقول مراد شتيوي أن سكان القرية قبل عام 2003 كانوا يستخدمون طريقاً اقصر للانتقال من والى للقرية، ولكن مع توسيع المستوطنات تم تضييق الطريق الرئيسي للقرية ثم تم اغلاقها، والطريق الوحيد البديل للطريق المغلقة أطول بستة مرات منها، مما يعيق حركة السكان للذهاب الى مدارسهم وجامعاتهم واماكن عملهم، ويضيق على كافة مناحي حياتهم الاقتصادية والاجتماعية الاخرى. وبين الأعوام 2003 و2005 وقعت ثلاث حالات وفاة نتيجة اغلاق الطريق، وعلاوة على ذلك من المرجع ان يتم توسيع مستوطنة كيدوميم على حساب 700 دونم من اراضي القرية.

على الرغم من قيام لجنة المقاومة الشعبية في كفر قدوم برفع قضيتهم للمحكمة العليا الإسرائيلية في عام 2003، إلا أن الطريق بقيت مغلقة ولم يؤثر التحرك القانوني لفتحها، ويصف مراد شتيوي الوضع قائلاً: "إن استطعنا ان ننقل هذه القضية الى المحاكم الدولية، وإن استطعنا ان نفتح الطريق، سيكون هذا نصراً كبيراً لفلسطين".

 

 

 

لجان المقاومية الشعبية:

بدأ سكان كفر قدوم بتنظيم مسيرات اسبوعية في تموز 2011، ويشارك في المسيرات أعداد كبيرة من المتضامنين ومواطني القرية بشكل منتظم، واستطاع سكان القرية أن يستقطبوا المئات من النشاطين في حقوق الإنسان وسكان القرى المجاورة، ومنذ ذلك الحين تغيرت طبيعة اقتحامات قوات الاحتلال على القرية، ويفسر مراد ذلك قائلاً: "إن الاعتقالات التي حدثت منذ تموز 2011 وحتى الآن، كانت كلها نتيجة المسيرة الاسبوعية، وقد وصلت الى حوالي 120 حالة اعتقال، من ضمنها 10 حالات اعتقال اطفال".

تستخدم قوات الاحتلال طرقاً مختلفة لاعتقال المشاركين في المسيرات الاسبوعية، مثل إعدادهم الكمائن لاعتقال المتضامنين المشاركين في المسيرة، كما ويحفرون حفراً واسعة لكي يقع المتضامنون فيها ويتم القبض عليهم، وتقوم قوات الاحتلال باقتحام القرية باستخدام قنابل الصوت والمياه العادمة على المنازل دون اعتقال أحد، وذلك لترهيب سكان القرية والمتضامنين وأعضاء لجنة المقاومة الشعبية في القرية، وأضاف شتيوي أن مجموع الغرامات التي فرضت على المعتقلين في قرية كفر قدوم وصلت إلى أكثر من 750 ألف شيكل، ما زاد صعوبة الوضع الاقتصادي لسكان القرية، ومع ذلك فإن المسيرة الأسبوعية للقرية ما زالت مستمرة.

 

تهديد المدافعين عن حقوق الإنسان

وفقاً للمبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي والإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً والحريات الأساسية، إن المدافعين عن حقوق الإنسان هم الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع التي تدعم وتحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً، وبناءً على ذلك فإن المدافعين عن حقوق الإنسان برعاية وحماية خاصة من قبل العديد من الهيئات الدولية بسبب دورهم في الدفاع عن حق مجتمعاتهم وفقاً لمعايير متفق عليها دولياً لتحقيق حماية سياسية واجتماعية، وخلافاً لهذه الاتفاقيات يحرم الأمر العسكري 101 (1967) الكثير من الحريات الأساسية التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاص بالأمم المتحدة. ويقوم الأمر بتجريم الانشطة المدنية بما في ذلك تنظيم والمشاركة في المسيرات، والمشاركة في المجالس والوقفات الاحتجاجية، ورفع الأعلام أو رموزاً سياسية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يقوم الأمر العسكري بحظر أي عمل من شأنه التأثير على الرأي العام حيث يعتبره "تحريض سياسي"، كما يقوم الأمر العسكري بحظر أي نشاط ينتمي إلى منظمة تعتبرها الأوامر العسكرية غير قانونية وتضعها تحت بند "دعم منظمة معادية".

إن الاعتداءات على المدافعين عن حقوق الانسان في كفر قدوم تقع ضمن مسؤوليات الاتحاد الاوروبي الخاصة بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، تقوم قوات الاحتلال باستخدام القوة والتهديد وسياسة العقاب الجماعي بشكل منتظم ومستمر بهدف إبعاد سكان قرية كفر قدوم عن المشاركة في المسيرات الاسبوعية التي يعتبرها الأمر العسكري 101 غير قانونية بالرغم من كونها مسيرات سلمية.

شنت قوات الاحتلال في تشرين أول 2013 هجوماً على مسجد قرية كفر قدوم الذي يستخدمه سكان القرية كمكان تجمع للانطلاق في المسيرة الأسبوعية بعد صلاة الجمعة، وتسبب هذا الهجوم بحالات اختناق متعددة وأدى الى وفاة رجل يبلغ من العمر ثمانين عاماً.

كما قامت قوات الاحتلال في حزيران من العام 2013، بنشر صور لأربعة اطفال وكتب تحت صورهم "نحن الجيش، كن حذراً: سنقوم بالقبض عليك إذا رأيناك، وسنأتي لبيتك". إن هؤلاء الاولاد كانوا وما زالوا يشتركون في المسيرة الأسبوعية، كما وتم اعتقال أحد الاولاد وهو عمران حكمت (17 عاماً) في آب 2013، وأفرج عنه في أذار 2014.

 

المدافع عن حقوق الإنسان مراد شتيوي

إن مراد شتيوي هو المنسق الرئيسي للجنة المقاومة الشعبية في قرية كفر قدوم، اعتقل مراد في صباح يوم 20 شباط 2013، بعد يوم واحد فقط من إعلان قوات الاحتلال عن توقفها عن المداهمات الليلة، وتعرض مراد لتحقيق متواصل لمدة 7 ساعات وإلى سوء المعاملة قبل الإفراج عنه. وبعد منتصف الليل في 20 شباط 2014، قام حوالي 100 جندي بمحاصرة منزل مراد شتيوي وتصويب بنادقهم اتجاه المنزل، ومن ثم بدأوا بالطرق على باب المنزل، فأسرع مراد وارتدى ملابسه وذهب ليفتح الباب، فواجهة جنديان مقنعان قاموا بشتمه والصراخ عليه وجروه إلى الخارج بعد تعصيب عينيه وتكبيله، وقال مراد إن أسلوب تعاملهم معه يعبر عن عنصرية وحقد شديدين ورغبة في الانتقام. وتجاهل الجنود قيام مراد بإخبارهم أنه يعاني من ضيق في التنفس، وقاموا بوضعه في جيب عسكري موجهين رأسه للأرض، وخلال وجوده في الجيب العسكري قاموا بضربه بأيديهم وأرجلهم على كافة أنحاء جسمه، وقد أدت بعض الضربات على رأسه إلى إفقاده الوعي لبضع دقائق، وقد استعاد وعيه وهم يجرونه من رجليه من الجيب العسكري إلى مستوطنة كدوميم، واستمر الجنود في شتمه وضربه والصراخ عليه، ثم جبروه على الوقوف لحوالي 3 ساعات في البرد الشديد رغم أنه لم يكن يرتدي إلا ملابس خفيفة، ومن ثم تم نقله إلى غرفة للتحقيق معه.

قام جنديان بالتحقيق مع مراد، وشعر أن الجنود يستهدفونه بشكل شخصي كونه مدافعاً عن حقوق الإنسان، وقال إن الجنود قالوا له "إن بإمكانك إيقاف المسيرة الأسبوعية، وبأنك شخص مؤثر في قرية كفر قدوم"، وحاولوا أن يقنعوا مراد بأن المسيرات غير مجدية وشرحوا ذلك قائلين: "الطريق يحتاج لقرار سياسي من رئيس الوزراء للاحتلال بنيامين نتنياهو ليتم فتحه، وما هي كفر قدوم بالنسبة لنتنياهو؟، ثلاثة أمور فقط تقلق نتنياهو وهي: إيران، إيران، إيران"، والشيء الآخر الذي حدث مع مراد هو قيام الجنود بتهديده قائلين "من الممكن أن يشعر جندي بالغ من العمر 18 عاماً بالقلق الشديد أثناء المسيرة، مما يدفعه لإطلاق النار على المشاركين في المسيرة، وإنّ الضباط لن يستطيعوا أن يسيطروا على جميع الجنود".

وسألهم مراد "هل انهيتم حديثكم؟"، وتابع "إنني لا أشجع ولا أدعم العنف، وإن المسيرات السلمية هي نوع من أنواع المقاومة التي يدعمها كل العالم، وأضاف أن هذه المسيرات محمية بموجب القانون الدولي". وأظهر الجنود بشكل واضح بأنهم يستهدفون مراد شتيوي بشكل خاص بسبب دوره كمنسق للجان المقاومة الشعبية في كفر قدوم، ولأنه يلبي معايير الاتحاد الأوروبي كمدافع عن حقوق الإنسان. كما وحاول الجنود تهديد مراد بأن كل عمليات الاعتقال وحالات الوفاة والإصابات، وكل حجر يرمى على جندي في كفر قدوم يقع تحت مسؤوليته، فأجاب قائلاً "لا يوجد لي أي تأثير على المسيرات في القرية، أنتم المحتلون وفي يدكم كل السلطة والتحكم، فأنتم بإمكانكم توقيف هذه المسيرات، وإن قيامكم باعتقال احد المشاركين في المسيرة، لن يمنعه من العودة للمشاركة فيها بعد إطلاق سراحه، والاعتقالات والتهديدات ستجعلنا أكثر تصميماً وأكثر تركيزاً على أهدافنا، فأنا لا أقول لسكان قريتي أن يشاركوا في المسيرة، بل أفعالكم بحقهم تجبرهم على الخروج في المسيرة".

اعتقل 7 أشخاص أخرين في نفس يوم اعتقال مراد شتيوي، أفرج فقط عن 4 منهم في نفس اليوم، وتعرض أحد المعتقلين السبعة للضرب المبرح على رأسه، مما ادى الى نزيف شديد في رأسه، وقال شقيق المعتقل أنه نقل الى مستوطنة أرئيل بدل نقله الى عيادة طبية لمعالجته.

إن حملة الاعتقالات التي شنت ليلة اعتقال مراد في 20 شباط 2014، هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف لترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يتعرض مراد الى تضييق مستمر على الحواجز نتيجة عمله في اللجان الشعبية، وفي حادثه سابقة قامت قوات الاحتلال بمداهمة بيت مراد باستخدام الغاز المسيل للدموع، وقاموا بتخريب جميع ممتلكات المنزل، وقام أحد الضباط ويدعى "صبري"، بتهديد مراد قائلاً "يجب عليك ان توقف المسيرات" وهدده بالاعتقال.

أعتقل مراد مرة أخرى في 29 نيسان 2014، واقتيد الى مركز توقيف كيدوميم، ثم تم نقله الى مركز توقيف حوارة، ومن ثم نقل الى سجن مجدو، وأفادت عائلة مراد انه وخلال عملية الاعتقال قام الجنود بتهديد مراد ومحاولة خنقه، وتم توجيه لائحة إتهام بحق مراد شتيوي وشملت: تنظيم مسيرة غير قانونية في قرية كفر قدوم، تحريض المواطنين على المشاركة في المسيرة، إلقاء الحجارة (سقطت تهمة إلقاء الحجارة لاحقاً أثناء جلسة المحكمة في 27 أب 2014)، واصدرت محكمة سالم العسكرية حكماً يقضي بالحبس الفعلي لمراد شتيوي لمدة 9 شهور ونصف، وبغرامة مالية قدرها 10 آلاف شيكل.